>

الثلاثاء، 26 أبريل 2011

فوائد من درس الكِبر ( الجزء الثاني)

بسم الله الرحمن الرحيم
آفة الكبر (الجزء الثاني)
إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستهديه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا  مضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله, أما بعد فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار وبعد,
فى المرة السابقة تكلمنا عن آفة هي من أشد الآفات التي إذا أصابت العبد قتلته وقضت عليه وهذه الآفة هي آفة الكبر
أثــــار الكبر:
1-أن العبد يحرم من النظر والاعتبار
لأن المتكبر عندما يتعالى ويترفع على المؤمنين فهو قد اعتدى على مقام الألوهية كما ذكرنا قبل ذلك ، لأن الكبرياء لا تكون إلا لله سبحانه وتعالى فمن جعل لنفسه
كبرياء فقد اعتدى على مقام الألوهية ومن اعتدى على مقام الألوهية فلا بد أن يعاقب وأي اعتداء فى الشرع لا بد له من عقوبة فالاعتداء إما معنوي وإما مادي فالمعنوي يكون بالكذب على الأشخاص أو السخرية من بعض الأشخاص أو الاستهزاء أو غير ذلك  والاعتداء المادي يكون بضرب بعض الأشخاص أو إيذائهم أو غير ذلك
فالاعتداء لا بد له من عقوبة ومن اكبر هذه العقوبات أن العبد يحرم النظر والاعتبار كما قال تعالى { وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ } ، يمرون عليها وينظرون لها ورغم ذلك معرضون لماذا ؟لأنه محروم
وإذا أردنا أن نضرب مثال على ذلك مرحلة الحمل وخلق الجنين في الرحم والمراحل التي يمر بها تكونه هناك أناس ينظرون لتلك الأشياء بنظرات إيمانية بنظرات كلها قرب إلى الله سبحانه وتعالى فهم ينظرون إلى هذه الأشياء أنها لا تحدث هكذا سدى,لم ترتب هذا الترتيب الدقيق بشكل لا شعوري,لا.هذا الأمر مقدر ويسير وفق تقدير دقيق للغاية وكلما تذكر شيء من هذا فى هذه النطفة التي تتكون وتتحول وتأخذ شكلا آخر من علقة لمضغة لعظام ثم تكسا لحما ثم إلى كائن أخر له عينان وشفتان ويدان ورجلان إلى غير ذلك .هذه الأشياء كلها تمشى بقوانين من السماء لا دخل للأرض فيها بأي حال من الأحوال فسبحان الله سبحان رب العزة سبحان الملك  , وهذه الفترات تحتاج إلى نظر واعتبار, وفيها طبعا فوائد كثيرة ،
والمتكبر محروم من هذا النظر والاعتبار لأن المتكبر لا يستطيع أن ينظر بهذه الطريقة لأنه يرى نفسه كبيرا ويستحق كل شيء فمثل هذا يحرم من أي نظر واعتبار , فعلي كل إنسان النظر والاعتبار وليعلم أن  كل يوم تمر بنا أحداث وتقلبات فلننظر فى هذا الأمر ونقول سبحان الله والحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به غيرنا ثم نقول نعوذ بالله من تقلب الأحوال التي تجعلنا نتقلب من الإيمان إلى الكفر أو الشرك 
فلعل هذا ابتلاء من الله عز وجل لرفع الدرجات وفى نفس الوقت أخاف أن تكون عقوبة من الله عز وجل  لفعل ما لم نتطلع عليه . المتكبر لا يفكر بهذه الطريقة المتكبر دائما متعالي لا يتهم نفسه انه مقصر, لا يتهم نفسه انه عاجز أو اقل من غيره وإذا كان هناك فضل أو خير أو ميزة فدائما ينسب لنفسه تلك الأشياء , ويتهم غيره حال حدوث مشكلة.ودائما الانشغال لا يكون بالنفس بل يكون بالآخرين والله عز وجل يقول" إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لإُوْلِي الألْبَابِ" المتواضع هو الذي يفهم هذه الآيات لأنه ينظر إلى الكون
2-من آثار التكبر على الإنسان الاضطراب النفسي
فالمتكبر لديه رغبة دفينة هي حب الترفع والتعالي, يحتاج من الناس دائما أن يكونوا خلفه لا أمامه, أن يكلموه وينظرون له من تحت لا من فوق, دائما أن يٌسمع له, لا يعجبه أي رأى ودائما معترض, ودائما يريد أن يكون رأيه هو الرأي ,ولا رأى غيره, فمثل هذا دائما يجعل الإنسان يفكر دائما بطريقة مختلفة عن الآخرين وهذا الأمر يجعل الإنسان معرض عن ذكر ربه ومنشغل بما يفعله الناس قال تعالى"  وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا" ..  أما صاحب التواضع صاحب المحبة لله عز وجل ولدين الله يفكر كيف يدخل السعادة على غيره وليس فى نفسه ترفع أو تعالى
3-من آثار الكبر أن المتكبر دائما معيوب وناقص
أن المتكبر يرى نفسه أعلى من غيره ولا يترك لنفسه الفرصة للبحث في عيوبه ونقصه فهو يري نفسه كاملا  أعلى من الجميع فيظل
 دائما فى نقص وعيب, ولا يقبل نصح أو إرشاد من أي شخص لأنه كامل عن البشر ومع الوقت يكبر هذا المرض ويستفحل ويظل فى القلب إلى أن يموت ،
قال تعالى فى وصف أمثال هؤلاء{ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا الذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا. } وقال تعالى{ بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ }
لذلك نقول أن الكبر مرض وآفة خطيرة موجودة فى كل القطاعات حتى الملتزمين وهو اشد فتكا وقتلا بهم
فلابد أن ننتبه أن الأفضلية بين الناس هي {إن أكرمكم عند الله اتقاكم}التقوى هي التي تفضل الناس بعضهم على بعض ورغم ذلك من كان أكثر تقوى لا يقول انه أفضل ممن هو اقل تقوى فليعلم أن تقواه التي هو فيها نعمة من الله ورحمة رحمه الله تعالى بها فلا سبيل للترافع والتعالي.
4-أن الكبر يحرم العبد من دخول الجنة
لأن هذا المتكبر كما قلت اعتدى على مقام الألوهية وسيظل هذا الاعتداء حتى يموت لأنه يظل يتعالى ويترفع على الناس يظن انه أفضل الناس فلم ينظر لنفسه أبدا ولم ينشغل بها مثل هذا يموت على الكبر ومن مات على ذلك صدق فيه قول الله عز وجل فى الحديث القدسي الكبرياء ردائي والعظمة إزاري  
وفى حديث مسلم عن ابن مسعود أن النبي ‏(‏لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر‏)‏
حديث حارثة بن وهب  الخزامى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال"  أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ". والجواظ المنوع
إذن الكبر وبال على العبد فى الدنيا والآخرة  ولابد من تقبل النصيحة أن كانت في موضعها .أما من قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فعنده كبر ولا يقبل من احد كلمة نعوذ بالله من ذلك .
كيف نعالج الكبر:
لابد من إتباع بعض الأساليب
1-تذكير النفس بالعواقب والآثار المترتبة على الكبر
فكلما تذكر الإنسان أن العواقب فى الدنيا كذا وكذا وفى الآخرة كذا وكذا فهذا من ضمن أساليب علاج هذا المرض
2-عيادة المرضى ومشاهدة المحتضرين ومشاهدة أهل البلاء
مثل هذه الأشياء تحرك النفس من الداخل وتجعل الإنسان متواضعا مخبتا إلى الله عز وجل
فعندما أرى إنسان يحتضر كان فى يوم من الأيام من المتكبرين فانظر هل نفعه كبره؟هل استفاد من كبره؟هل ازداد إيمانا من كبره؟هل ازداد يقينا من كبره؟هل ازداد حسنات من كبره؟وهو الآن يموت ولا حول له ولا قوة.
3-عدم صحبة المتكبرين,وفي نفس الوقت صحبة المتواضعين:
المتكبر لا يخرج منه إلا شعاع  مسموم  وبالوقت ومن كثرة علاقتي به بعد كل يوم تتقبل منه شيئا فشيئا وسيتحول إليه الكبر بعد وقت فالصاحب ساحب. وكذلك صحبة المتواضعات فالمتواضعة يخرج منها شعاع  ولكن من نور وضياء  هذا النور يطرد سموم الكبر مرة بعد مرة إلى أن يبتعد عنها الكبر كما يبعد بين السماء والأرض
فالصاحب ساحب وكما قال صلى الله عليه وسلم" لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ "وقال" الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ "
4-مجالسة أصحاب المستويات الاجتماعية الضعيفة وذوي العاهات :
 و مآكلتهم ومشاربتهم  وتشعرهم أنها منهم  وتحاول أن تدخل البسمة على وجوههم وتكرر ذلك مرة بعد مرة وسيخرج بإذن الله من قلبها الكبر لان المتكبر متعالي والمتعالي لا يجلس على الأرض ولا يأكل مع الفقراء بل يتعامل معهم برفعة
5-التفكر فى النفس وفى الكون وفى النعم
من الذي يعطى ذلك؟ ومن الذي يمنع ذلك؟ومن الذي يمسك ذلك؟ من الذي يعطيني البصر والرؤية وكيف لو منعني إياها إذا سلبت مننا نعمة فكم من العجز يصيبنا فإذا نظرنا إلى ذلك قلنا لم التكبر يا عباد الله
6-النظر فى سير وأخبار المتكبرين
كيف كانوا و لأي شيء صاروا فرعون- هامان- قارون- النمرود- أبو جهل- أبو لهب- أبى بن خلف -حافظ الأسد محمد الخامس وأمثالهم عبد الناصر والسادات وغيرهم ما الذي حدث لهم؟ إذا نظرنا إلى سيرتهم نخاف لأننا لا نريد أن يكون مصيرنا أمثال هؤلاء فمثل هذا النظر بلا شك يحتاج إلى توبة من الله عز وجل
7-حضور مجالس العلم خصوصا مجالس فقه القلوب والتربية والوعظ
 فتلك المجالس تظل بالقلوب حتى ترق وتلين وإذا رقت القلوب عادت إلى الحياة مرة أخرى فان الحياة تعود إلى قلب سمع كلام ربه ويعمل به
8-القيام ببعض الأعمال التي لم يتعود عليها الشخص
فعندما تعمل بعض الأعمال التي لم تكن تفعلها قبل ذلك وتتأفف منها فهذا سيؤثر فيها تأثيرا جليلا وخصوصا إذا تعودت على ذلك
9-الاعتذار لمن تطاولت وتكبرت عليه
 إذا تكبرت على احد لابد أن تعتذر إليه ,لابد أن تعتذر لمن تطاولت عليه أو تكبرت عليه أو تعاملت معه بازدراء أو سخرية واستهزاء
10- الاستعانة بالله عز وجل على ذلك
قال تعالي " أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ" وقال تعالي " وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ"  ، فالإنسان يستعن الله ويدعوه ليل نهار أن يرفع عنه مثل هذا المرض العضال
وهناك أشياء أخرى للعلاج
وهذا الأمر فى غاية الأهمية ويحتاج إلى مجهود كبير والى التعامل معه بقوة وعدم ترك هذا المرض حتى يتوغل إلى قلوبنا لان هذا المرض سيؤثر علينا تأثيرا سلبيا بل يكون سبيلا إلى دخول النار والعياذ بالله 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق