>

الخميس، 14 أبريل 2011

تفريغ درس آفة الكبر(1)...تحديث

آفـة  الكــبـر
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ,إنه من يهده الله فلا مضل له ,ومن يضلل فلا هادى له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ,وأشهد أن، محمداً عبده ورسوله,أما بعد,
فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعه وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة فى النار وبعد
كنا قد تكلمنا في المرة السابقة عن آفة الهوى،واليوم بإذن الله سنتكلم عن آفة أخرى وهى من أشد الآفات فتكاً بقلب الإنسان ألا وهى آفة الكبر والكبر عدوّ لقلب الإنسان فهذه آفة  لها أثر خطير ،ولذا ينبغي على كل مسلم ومسلمة أن يجاهد نفسه في أن يتطهر من هذه الآفة.
والكبر فى اللغة:التعظيـم ،أي إظهار العظمة،والتكبر والاستكبار بمعنى التعظّم،ومنه قوله تعالى ( سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ) أي أن هؤلاء يرون أنهم أفضل الخلق،وأن لهم من الحق ما ليس لغيرهم .
أما فى الإصطلاح :- فهو إظهار الإعجاب بالنفس,واحتقار الآخرين  ،وقد ينال من ذواتهم,ويتـَرفع عن قبول الحق منهم ,والنبي صلى الله عليه وسلم قال "(لا يدخل الجنة من كان فى قلبه مثقال ذرة من كبر ،قال رجل إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا فقال صلى الله عليه وسلم إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس).
وبطر الحق أى  :ردّ الحق فمن علامة الكبر عدم سماع الحق.
وغمط الناس:أى لا يرى الناس شيئا بل يرى أنه أفضل منهم,
والله عز وجل يقول (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ )
وقال تعالى (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)
فالله عز وجل هو الكبير وهو من له الكبرياء فى السماوات والأرض وله الأسماء الحسنى والصفات العلى
له الجلال والكمال والجمال  وله الملك كله والعزة كلها { فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (36) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (37)  }الجاثية
فلو أن  أى إنسان أو مخلوق أستكبر فنقول له هذا ليس من شأنك لأن الكبرياء لله وحده لا شريك له أما أنت أيها العبد فأنت شخص ضعيف بل ضعيف  جدا تمرضك ذبابة بل نملة بل من هو أدق من ذلك وأنت عاجز لا تستطيع أن تفعل شئ مع هذا المخلوق الضعيف لأنك أنت فى الحقيقة أنت ضعيف ليس هذا فقط بل أنت أيضا فقير فكيف لعبد فقير عاجز ضعيف أن يستكبر أو أن يحاول أن يستكبر فهذا العبد لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعا ولا ضرا إلا ما ملكه الله إياه فنقول : الكبر رد الحق وعدم سماع الحق وغمط الناس بأن يزدريهم ويحتقرهم .
فآفة الكبر فى الناس على ثلاثة درجات :-
الأولى :- أن يكون الكبر مستقرا فى قلب الإنسان فيرى نفسه خيرا منهم إلا أنه يجتهد ويتواضع فمثل هذا الشخص قلبه شجرة الكبر مغروسة فيه إلا أنه قد قطع أغصانها بإخفائه للكبر .
الثانية :- أن يظهر ذلك بأفعاله بأن يترفع فى المجالس ويتقدم على أقرانه فيظهر منه احتقاره للناس كمن تريد أن تدخل فتجلس فى مكان منتصف عالي والبقية فى مكان منخفض .
الثالثة :- أن يظهر العبد الكبر بلسانه كأن يزكى نفسه دائما فيقول أنا والحمد لله أصلى بالليل والناس نيام , وأتصدق بالمال الكثير , وأنا تصدقت بمالي كله لله عز وجل , وأخرى تقول أنا أتصل كل يوم عشرات المرات للدعوة , أو تقول أنا ابنة فلان , أو زوجة فلان ,العالم الدكتور , أو تقول عندي علم تعلمت على يد فلان أبى أو أخي ,أو تقول أنا أجمل من فلانة وكثير من الناس يحسدونني , أو أنا كثير ة الأتباع  ونحو ذلك من دعاوى المفاخرة ,
أو التكبر بالمال وغالبا ما يكون بين الملوك والتجار فالتاجر يأتى بسيارة بمئات الألوف وغيره يأتى بأفخم منها فيأتى أخر بأغلى منهما ليتفاخر عليهما,
وكذلك الملوك فهذا يأتى بقصر منيف على ساحل كذا  وآخر يأتى بأفضل منه على جزيرة كذا... وهكذا ,
أما التكبر بالجمال فهذا يجرى بين النساء , والتكبر بالعلم يوجد بين المرائين , وكذلك التكبر بالنسب فأكثر ما يجرى بين الناقصين الجاهلين لأنه تكبر فى غير معنى فهل لك يد  فى أنك ابن فلان أو علان  فهذا جهل ونقص
فهؤلاء الدرجات  الثلاث هم درجات الكبر.
أسباب الكِبر
الكبر له أسباب لأنه يأتى من شدة الإعجاب بالنفس وذلك يترتب عليه احتقار الناس والترفع عنهم إذن كيف يعلم الإنسان أنه عنده كبر؟ عندما يجد عنده إعجاب بالنفس شديد وذلك عندما يجلس مع نفسه فيقول أنه صموت وغيره كثير الكلام ,أكثر من الذكر وغيري  لا يفعل ذلك , ومع أنني لو سألت نفسي سؤلا واحدا ما شعرت بهذا الإعجاب ( يا ترى من  الذي وفقني لذلك؟ )
هل أنا صموت من نفسي وبنفسي أم هناك منعم أنعم على بذلك ؟,
هل أنا غنى من نفسي وبنفسي أم هناك من منعم أنعم على بذلك؟ ,
هل أنا عندي علم من نفسي وبنفسي أم هناك منعم أنعم على بذلك؟
هل أنا بذول  من نفسي وبنفسي أم هناك منعم أنعم على بذلك,؟
وغير ذلك من كثرة أتباع وحسب ونسب وقوة وغير ذلك ,
أنا عندما سجدت فى الليل والناس نيام هل هذا من نفسي أم أن هناك منعم أيقظني حيث نام الآخرون؟ وهل يا ترى أنا أصلى بمفردي فى هذا الكون أم أن هناك بالآلاف إن لم يكن بالملايين يفعلون مثل فعلى أو أكثر وربما كان هناك من هو أعجز منى وأكبر منى ويفعل أكثر منى فلماذا أعجب بنفسي بشئ يأتني من ربى؟
فنقول للمرأة أيتها المرأة إذا شعرت أنك شديدة الإعجاب بنفسك فاكتبي ورقة  فى غرفتك( أيتها الجاهلة كفى )
فما نعرف عن سلفنا أنهم كانوا عباد زاهدين وعلماء ومجاهدين وفيهم ما فيهم  من طاعتهم لله عز وجل ليل نهار وفيه ما فيهم من أوصاف الخير فلقد كان هؤلاء السلف يداومون على قيام الليل وصيام النهار ويجاهدون ويعلمون العلم ويكثرون الذكر والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وغير ذلك وبعد ذلك يمقتون أنفسهم ولا يرون لأنفسهم فضلا فعندها نقول لكل متكبر أو متكبرة أيه الجهال  كفى فهؤلاء كانوا يعملون ويمقتون أنفسهم ونحن لا نعمل ونفتخر بأنفسنا
ولذلك أمثال هؤلاء لا يوفقون ولا يتقبل منهم لأن الله عز وجل قال { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ } وقال { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }.
فالكبر له أسباب تؤدى إليه وبواعث ينشأ منها فمن أهملها ولم يعالجها وهى لا تزال فى مهدها فما الذى يحدث ؟ فسيزداد عجبا فوق عجب وكبرا فوق كبر , وهناك أسباب للتكبر وصفات للمتكبر .
مظاهر التكبر
·      أولا:  الإنسان يمشى متكبر أو مختال مع لىّ صفحة العنق ( أى يميل بعنقه يمنة ويسرى  مع تصعير الخد) كما قال تعالى{ ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ } وقال تعالى { وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } فمن يختال فى مشيه لماذا يختال؟ لأنه مشهور يلبس جيدا يرى نفسه أفضل من الناس.
ثانيا:  الإفساد فى الأرض عندما تتاح الفرصة
وفى نفس الوقت يستنكف النصيحة ويستكبر عن الحق قال تعالى( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206)..البقرة
وعََنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ الله عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الْبَلِيغَ مِنْ الرِّجَالِ الَّذِي يَتَخَلَّلُ بِلِسَانِهِ كَمَا تَتَخَلَّلُ الْبَقَرَةُ
".  قال صلى الله عليه وسلم( ألا أنبئكم بشراركم فقال هم الثرثارون المتشدقون ) وفى رواية ( المتفيهقون ) إلى غير ذلك.
ثالثا:     إسبال الإزار بنية الاختيال والتكبر
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَحَدَ شِقَّيْ إِزَارِي يَسْتَرْخِي إِلَّا أَنْ أَتَعَاهَدَ ذَلِكَ مِنْهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَسْتَ مِمَّنْ يَصْنَعُهُ خُيَلَاءَ) صحيح البخاري
, أما إسبال الإزار فقط بدون نية التكبر فهو محرم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال(ما أسفل الكعبين من الإزار فهو فى النار ) وقال صلى الله عليه وسلم( إزرة المؤمن فى منتصف ساقه فإن كان لا بد....).
رابعا:  محبة أن يسعى الناس إليه وأن لا يسعى هو إليهم أن يمتثلوا له قياما إذا قدم أو مر بهم كما قال صلى الله عليه وسلم (من أحب أن يمتثل الناس له قياما فليتبوأ مقعده من النار )- يزورنه ولا يزورهم يتكلمون معه ويبدؤونه بالسلام ولا يتكلم معهم, يحب أن يعامل معاملة خاصة,يحب أن يستأذن أولا, وهذا كله يحتاج إلى نية فقد يكون إنسان خجول .
رابعا:  محبة أن يتقدم الإنسان على الغير سواء كان فى المشي أو المجلس أو الحديث أو غير ذلك
مثال مجموعة من النساء فى مجلس تريد أن تتقدم عليهم
·        هناك من يستنكف أن يجلس أحد بجانبه مثال هناك مجلس عند أخت والكرسي يسع سبعة أو عشرة فمن مظاهر تكبر بعض الناس أن يحب أن يستفرد  بالكرسي وحده ويستنكف أن يجلس أحد بجانبه وخصوصا إذا كان هناك فرق فى المستوى الإجتماعي فهذا هو الكبر نفسه .
أسباب التكبر
1-مبالغة الآخرين فى التواضع:
-كأن يكون هناك مجموعه يجلسون فى مجلس ويبالغون فى التواضع وفى ذم النفس يقولون مثلا لأخ كبير فى المجلس أنت بفضل الله فتحت البلد وتتلمذنا على يديك و00 و00 فيقول أنا لم أفعل شيء ويتواضع ويقول بل فعل فلان وفلان وفلان .فيظن فلان أنه صاحب فضل .
-البعض قد تحملهم المبالغة فى التواضع على ترك التجمل والزينة فى اللباس,أو يجلسون مجلسا والناس يتكلمون فإنه يرى انه ليس أهلا للكلام  فلا يتكلم مبالغة فى التواضع.
أننا نقول إننا نريد أخت محفظة قرأن فيعزف كثيرون عن التقدم مبالغة فى التواضع فتظن أخرى ضعيفة أنهم ليسوا أهلا لها وهى الأهل لها وهم لا يصلحون لذلك لم يتقدموا فمن هنا يأتى الكبر فلننتبه,
إذا رأينا أصحاب الفضل يبالغون فى التواضع ويعزفون عن تحمل أى أمر من الأمور لأنهم يروا أنهم ليسوا أهلا لذلك فهذا يخوفنا أكثر,فأقول فى نفسي إذا كان أهل الفضل يخافون من فعل ذلك فأنا لن أفعل,وإذا كانوا هم بهذا التواضع فأنا لا أساوى شيئا,أما الضعيف يفهم ذلك على أنه صاحب شأن ,وأن من تواضع هذا ليس أهلا لهذه المرحلة .
فمن نظر للآخرين بازدراء وسخرية ينظر لنفسه نظرة إكبار وتعظم
ليس هذا وفقط كل فرصة تتاح له يتكلم عن نفسه يقول قد امتنع فلان عن فعل كذاو كذا وقمت أنا به والحمد لله-فى كل مجلس ترى أمثال هذا الكلام-وممكن أن يجد الإنسان فى نفسه أسباب شرعية تسول له نفسه أن يذكرها أمام الناس يقول الله عز وجل {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ }الضحى11 وأنا أحدثكم بنعمة ربى فقد فعلت كذا وكذا .نعم نتحدث بنعمة ربنا إذا لم يكن هناك ازدراء وسخرية بالآخرين إنما نفعل ذلك محبة أن ترفع راية الدين وأن يعمل الناس بشرع رب العالمين فالسلف حينما كانوا يتحدثون بنعمة الله عليهم كانوا يتحدثون بهذه النية.
2-وجود الجهل:
فعندما يوجد الجهل في الناس تختل المعايير  فهناك معايير للتفاضل فليس كل الناس كبعضهم البعض , ولا الأخوات كبعضهم البعض ولا حتى الصحابة ولا الرسل {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ }فهناك معايير للتفاضل فالله قال{ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} فإذن عندما يحدث بيننا تفاضل يكون بالتقوى ,ممكن يكون إنسان أعلم من غيره وغيره أتقى منه فعندما نفضل التقى لأن هذا الذي عنده علم كثير لم يعمل بما علم
وهذا الضعيف قليل العلم عمل بما علم فزادت تقواه
لذلك نرى الناس يفضلون أصحاب الدنيا فإذا كنا في مجلس وأتى فلان  التاجر الغنى,أو فلانة زوجة التاجر الغنى, قد تُقدم على غيرها من الأتقياء الأنقياء الأخفياء,بل قد يأتي العصاة ويقدمون على أهل التقى ويكرمون,أما الإنسان البائس المسكين صاحب الثياب الرثة البالية مع أنه متقيا لله عز وجل مطيعا له قد يزدريه الناس وينظرون إليه نظرة تحتية دون { أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ (55) نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ (56 } المؤمنون
إن هذا الجهل إذا زاد فى الناس تختل القيم والمعايير
إذن لا بـد أن نسأل أنفسنا سؤالا واضحا هل عندما أقدم فى مكان ما يقدمونني لأنني أفضل من هؤلاء الناس؟؟؟إذا شعرت بذلك فهذا يدل على الجهل,
في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ( ما تقولون في هذا ). قالوا : حري إن خطب أن ينكح ، وإن شفع أن يشفع ، وإن قال أن يسمع . قال : ثم سكت ، فمر رجل من فقراء المسلمين ، فقال : ( ما تقولون في هذا ) . قالوا : حري إن خطب أن لا ينكح ، وإن شفع أن لا يشفع ، وإن قال أن لا يسمع . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( هذا خير من ملء الأرض مثل هذا ) صحيح البخاري

فمعايير التفاضل لا تفاضل بأصحاب الدنيا ولا  أصحاب الجاه والسلطان ,لا تفاضل بأصحاب الجمال ولا بكثرة الأتباع ولا بأمثال هذه الأشياء إنما معيار التفاضل { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (إن أقربكم منى مجلساَ يوم القيامة أحسانكم أخلاقا الموطؤون أكنافا..),وأن التدين وحسن الخلق وطاعة الله عز وجل هى المعايير التى تفاضل بين الناس.
3-المقـــارنة:
أن يقارن الإنسان النعمة التى أنعمها الله عزوجل عليه بنعمة الآخرين وينسى المنعم,فالله عز وجل يحبوا بعض الناس -لحكمة يعلمها- بنعم يحرم منها آخرين ,
فمن الممكن أن الله عز وجل –لحكمة يعلمها-
-أن يحبوكِ بزوج صالح وغيرك بزوج طالح,
-أن يحبوكِ بزوج يعرف الحنان وأخرى يبتليها بزوج قاسى لا يعرف الحنان طريقا إلى قلبه إلا أحيانا نادرة ,
-أن يحبوكِ الله عزوجل بأولاد كُثر وغيرك لا تنجب  أصلا,
-أن تكوني صاحبة تعليم عالي بين الناس جامعية  أو كلية قمة كما يقولون وغيرك قد تحرم من هذا التعليم أو تكون فى كليه أقل أو فى مستوى أقل,
-أن يحبوكِ الله عزوجل بحسن الحديث تستطيعين أن تتكلمي فى وسط المئات أو العشرات أو الآلاف أيّا كان وتستطيعين أن تتكلمي مع كل طبقات المجتمع ولا تتلعثمين عندما تتكلمي وغيرك لا يفعل ذلك إذا أراد ان يتكلم لسانه يتوقف ,وهناك بعض النساء يحبوها الله عزوجل بالصحة فمن الممكن أن تقوم بالنهار بتنظيف بيتها ومطبخها ولا تشعر بتعب وغيرها عندما تقف فى مطبخها نصف ساعة فقط تجد ألما شديدا فى ظهرها أو قدمها أو ذراعها,
-من الممكن أن يحبوا الله عزوجل بعض النساء أنهم أصحاب تأثير على غيرهم وقد يكون لهم جاذبية فطرية لا توجد الا فى القليل تكون لها تأثير بالغ على غيرها وأخرى قد تكلم عشرات الناس ولا يكون لها مثل هذا التأثير بل قد لا يكون لها إلا تأثيرا ضعيفا,
-من الممكن أن يحبوكِ الله عزوجل بأولاد مطيعين حتى وهم صغار لا تجدهم أشقياء ولا يكسرون شيئا إلا نادرا وأخرى أولادها ليل نهار يلعبون وفى غاية الشقاوة يكسرون هذا وذاك ويفعلون بأمهم الأفاعيل ,
إذن صاحب النعم التى أنعم الله عليه بالصحة أو الزوجة أو المال أو الولد أو المركز أو القدرة على التأثير أو حسن الحديث إلى غير ذلك من النعم فبالإغترار بهذه  النعم قد ينسى المُنعم سبحانه فيبدأ ينظر إلى غيره فالأخت صاحبة النعم التى ذكرتها تنظر إلى بقية الأخوات فترى أنها أعلى منهم مالا وجاها وجمالا وسلطانا وأولادا وزوجا وغير ذلك, وتراهم أنهن ادني منها
من الممكن ان تحتقرهم وتزدريهم وتضع من شأنهم (مش عارفين يربوا  أولادهم صح ,)
مع ان هى لم تربى أولادها بشكل صحيح ولكن الله عزوجل هدى لها الأولاد,هؤلاء الأخوات لا يستطعن أن يعاملن أزواجهن بشكل جيد لذلك يشتكين جميعهن من الأزواج أما أنا الحمد لله أعامله بشكل جيد ولم تعلم أن  الله عزوجل هو الذى هدى لها زوجها,
تقول هؤلاء الأخوات لا يتعلمن ولا يقرأن وأنا والحمد لله أقرا وأتعلم وأكلم الناس فأكثر لهم من ذكر الآيات والأحاديث وآثار السلف فيقتنعون برأيي ويستمعون إلى حديثي ويعجبون به لكن الباقين لا يفعلون ذلك لأنهم غير مجتهدات وهى لا تعلم أن الله عزوجل هو الذى سخر لها هذا اللسان ويسر لها الكلام وفتح لها القلوب ونقول لهذه الأخت
ولأمثالها من الأخوة الذين يفعلون ذلك
~ أيــها الجهــال انتبهوا~ فمن أعطاك هو الذي يمنع ومن منحك هو الذي يقبض ذلك منك
فبدلا من أقول أنا أفعل وأفعل أقول الحمد لله الذى وفقني, والحمد لله الذى هدى زوجي, والحمد لله الذي هدى أولادي, والحمد لله الذي منحنى الجمال,والمال,وحسن الحديث,ومنحنى الصحة,هذا فضل من الله ,وتقول في نفسك أنا لا أستحق هذا الفضل ولكن الله عز وجل كريم وان لم افعل ذلك سأشعر أنني صاحب نعمة وهذه النعمة لم تأت إلا بجهدي وعرقي وبذلي وأن هؤلاء الباقين الذين لم يأت لهم مثل هذه النعم بسبب أنهم كسالى ويشتكون فقط ولا يعملون ولا يفكرون ولا يبذلون فأحسنت الظن بنفسي وأعجبت بنفسي وفى نفس الوقت ازدريت الآخرين واحتقرتهم ووضعت من شانهم  هذا مرض خطير فمن كان فيها مثل هذا المرض فتقول فى نفسها وتكتب كما قلت
أيتها الجاهلة كـــــــــــفى وأيضا هو أيها الجاهل كفى فقد نسيت المنعم وتعلقت بالنعم وفى القران صاحب الجنتين { وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33) وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34)
. وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36...الكهف
نسى المنعم!.
4- ظن دوام النعمة وعدم التحول عنها :
بعض الناس تأتيه النعمة من نعم الدنيا وتستمر معه فترة طويلة فتحت تأثير بريق هذا الإستمرار ينتهى به الأمر إلى التكبر والترفع عن عباد الله كما قال صاحب الجنتين { وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا }وكما قال عزوجل عن الإنسان{ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ }فصلت50.وفى وسطنا نحن تجد الأخ متزوج من 10سنين أو الأخت متزوجة من10سنين والحمد لله كل يوم المال يزداد وكل يوم يتوسع عندها الرزق والأولاد مجتهدون والأمور جيدة فمع دوام هذه النعمة تظن الأخت فى نفسها لأنها مصلية أو لأنها مزكية أو لأنها كذا أو كذا فالله عز وجل أدام عليها النعمة أما جارتها فكل يوم فى مشكلة مع زوجها والأخرى مشاكل مع أولادها وأخرى مع حماتها وأخرى مع كذا فتنظر إليهم نظرة ازدراء وقد تصل بها إلى الاحتقار وتنظر لنفسها بنظرة إعجاب بالنفس مع أن الذي أدام عليها النعم ولم يحولها هو الله عز وجل.
5-من اكبر أسباب الكبر ان يكون عند الانسان بعض الفضائل من العلم والدعوة والجهاد والتربية وأمثال ذلك
يعنى الأخ يكون ملتزم من 20 أو 15سنةفينظر  لمن التزم من سنة أو سنتين نظرة احتقار وأنه لم يعلم شيئا عن الملتزمين ولا يفهم كما أفهم ولا يعرف كما اعرف فانا من السابقين الأولين ويقول هذا بلسان الحال أو بلسان المقال,
تقول عندما لبست النقاب كنتِ أنت لم تولدي بعد فلماذا تقولين هذا ومن اى باب تقولين هذا؟؟ أو تقول عن أخت اخرى اننى عندما كنتِ فى اللفة كنت انا أعطى دروسا قبلك !سبحان الله! فالله عزوجل ينظر للناس خصوصا السابقين بما قدموه وليس بما قالوه{ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)..التوبة
فيكون الصادق هو الذى نصر الله ورسوله { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)الحشر..}
فتكون النظرة لمن سبق بهجرته ونصرته وصدقه وحسن صلته بالله عزوجل لذلك المبدأ ليس الفضل لمن سبق وإنما الفضل لمن صدق. قال تعالى { منَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا
6-الغفله عن الآثار المترتبة على التكبر
فمن غفل عن الآثار الضارة فإنه يصاب بها وتتمكن رويدا رويدا من نفسه ولا يشعر بها إلا بعد فوات الأوان ويستعصى عليه الحل إلا أن يشاء الله فنسأل الله عزوجل ان يقينا شر الكبر وأن يقينا خطره وأثره أن يجعلنا من الذين يتواضعون له سبحانه قلبا وقالبا بلسان حالهم ومقالهم
عــلاج الكـــــبر
ويعالج بأمرين :
الأمر الأول : أن يستأصل شجرة الكبر من قلبه وأن يعرف ضعفه وعجزه وفقره.
الأمر الثاني : أن يعلم ان من تكبر بالنسب (وهذا من أكثر الأشياء التى يتكبر بها الناس)أن هذا تعزز بكمال غيره
ويعلم من أعتراه الكبر بالجمال فلينظر الى باطنه وأقذاره نظر العقلاء ,
ومن أعتراه الكبر بالقوة فليعلم انه لو آلمه عرق لعجز عنه كل عاجز
ومن تكبر بسبب المال فليعلم أن اليهود أغنى منه وهم شر خلق الله وغضب الله عليهم ولعنهم,
ومن تكبر بسبب العلم فليعلم أن الله عزوجل حجته على العالم أكثر من حجته على الجاهل
وأول ذنب عصى الله به أبوا الثقلين الكبر والحرص
فالكبر ذنب إبليس اللعين فكان مآل أمره إلى ما آل إليه من الطرد من رحمة الله عزوجل وكان ذنب آدم عليه السلام هو الحرص والشهوة فكان عاقبته التوبة والإنابة لذلك نقول أن  أهل الكبر والإصرار والاحتجاج بالأقدار هم مع شيخهم  وقائدهم إبليس فى النار
وأهل الشهوة المستغفرون التائبون المعترفون بالذنوب مع أبيهم آدم فى الجنة.
أقسام الكبر
ينقسم إلى قسمين كبر باطن وظاهر
الكبر الباطن:هو خلق فى النفس
الكبر الظاهر :أعمال تصدر عن الجوارح
والأصل هو الباطن لأنه خلق والأعمال ثمرات لهذا الخلق لأن الذى يظهر هو الأعمال ومن يظهر فى عمله كبر يقال تكبر وإن لم يظهر يقال فى نفسه كبر.
ويظهر الكبر بثلاث أشياء:متكبِر- متكبَر عليه – متكبَر بـه .
والكبر له آفات أكثر من أن تحصى,ولذلك الكبر تجده موجودا أكثر فى العلماء ولا حول ولا قوة إلا بالله لــــكن إن لم يكن العالم متذكراً فضل الله عليه فى كل لحظة وحين سينقلب إلى كبر
وكذلك الزهاد يصل إليهم الكبر أكثر من غيرهم لأن الزهاد يتركون الدنيا والناس يحبون الدنيا فعندما يجد الإنسان نفسه وحيدا فى وسط أناس كُثر يحبون الدنيا ويسارعون إليها وهو لا يسارع عليها ,إن لم يعترف أنها منحة من الله وهبة من الله له فسيصاب بالكبر
وكذلك العباد يقومون الليل ويصومون النهار ويكثرون الذكر,إذا لم يعترفوا أنها منحة من الله عليهم وفضل من الله عليهم ,سيصابون بالكبر
لذلك من الممكن أن نجد عالم متكبر وزاهد متكبر وعابد متكبر,فالإنسان
لابد أن يخاف ويحذر لأنه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر
فالكبر حجاب دون الجنة لأنه يحول بين العبد المؤمن وببين أخلاق المؤمنين  التي هي سبب دخول الجنة والكبر يغلق الأبواب كلها
فهل يحب المتكبر لأخيه ما يحب لنفسه؟لا لأنه يرى نفسه أفضل منه فهو أولى بهذا الخير منه لأن الآخر فى مرتبة أقل.
هل ينصح غيره ؟لا سيقول هذه نصيحتي غير مناسبة له أمثالي لا يتكلمون مع هؤلاء.
والمتكبر لا يسلم أحد من لسانه ويده لأنه يرى أنه ذو فضل عليهم فلابد أن يوجههم ويعدلهم وينبههم إلى ما هم فيه من نزول ودنوّ.
والكبر درجات
وشر انواعه ما يمنع من قبول الحق والانقياد للحق لذلك أمثال هؤلاء يقال لهم يوم القيامة {فَادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ }النحل29
النوع الأول :التكبر على الله
وهو أفحش أنواع الكبر ولا يكون إلا من جاهل محض طاغية كفرعون وأمثاله والله توعدهم {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ }غافر60 ففرعون تكبر على ربه ولم يرد ان يكون عابدا بل أراد أن يكون إلها وهو عاجز ضعيف!
النوع الثانى :التكبر على رسل الله
يبعث الرسل إلى أقوامهم وهم بشر مثلهم فيستكبر بعضهم ويقول لمَ لمْ تنزل الرساله على أنا؟ ويترفعون عن الإنقياد لبشر كسائر الناس قال تعالى{وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ }النمل14فالمتكبر لا تطاوعه نفسه للإنقياد للحق والإتباع للرسل قال تعالى {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْ عُتُوّاً كَبِيراً }الفرقان21
النوع الثالث:التكبر على الخلق
كما قلت أن يستعظم نفسه ويحقر غيره فنفسه تأبى الانقياد وتدعوه إلى الترفع عليهم فيزدريهم ويستصغرهم ويأنف من مساواتهم
طبعا هذا بلا شك دون النوع الأول وهو التكبر على الله والثاني وهو التكبر على الرسل ولــكنه عظيــم من وجهين:
الوجه الأول :أن الكبر والعزة والعظمة لا يليق إلا بالملك القادر والعبد مملوك ضعيف عاجز لا يقدر على شيء من أين يليق بحاله الكبر؟؟؟؟فإذا تكبر فقد نازع الله فى صفته التى لا تليق إلا بجلاله كما قال سبحانه (الكبرياء ردائي والعظمة إزارى فمن نازعني واحدا منهما قذفته فى النار)وإذا كان الكبر على عباد الله لا يليق إلا بالله فمن تكبر على عباده فقد جُني عليه لماذا؟لأن الملك له خواص وصفات لا تكون إلا للملك فمن تكبر فيكون منازع للملك فى بعض أمره.
الوجه الثاني:ان ذلك يدعو العبد إلى مخالفة الله تعالى فى أوامره لأن المتكبر إذا سمع الحق من عباد الله استنكف عن قبول الحق فكما قلنا الكبر رد الحق فكل من رد الحق وهو يعرفه وانف أن يخضع لله ويتواضع له بطاعته وإتباع رسله فقد تكبر على الحق فيما بينه وبين الله تعالى ورسله.
فكل من رأى أنه خير من أخيه أو رأت أنها خير من أختها وأحتقرتها  وأزدرأتها بعين الإستصغار وردت ما قالت من الحق فقد تكبرت فيما بينها وبين الخلق ولا يتكبر إلا من استعظم نفسه ولا يستعظمها إلا وهو يعتقد أن لها صفة من صفات الكمال .
ويستعظم الإنسان نفسه لأمرين:
إما حاجة خاصة بالدين وذلك أن يكون صاحب علم أو عمل
أو حاجة خاصة بالدنيا كالسلطان والنسب والمال والجمال والقوة.
فهذه الأسباب السبعة تؤدى إلى الكبر إذا لم ينتبه الإنسان
أولها العلم وما أسرع الكبر إلى العلماء اذا قل عملهم لأن العالم يريد أن يتعزز بعلمه وعمله ضعيف فيظهر أنه صاحب علم حتى يعوض قلة العمل فيستعظم نفسه ويستحقر الناس ويستجهلهم كلما تحدث مع أحد قال أنتم جهلاء لا تعرفون شيئا ويريد منهم أن يخدموه ويكونوا  كعبيد أجراء وذلك للمصلحة الشخصية لأنها ترى أنها تستحق ذلك ,
هذا العالم يرى نفسه عند الله أفضل من الناس لذلك يخاف عليهم أكثر من نفسه ويرى انه قوى وأنه صاحب إيمان  ولا يُفتن كغيره ,فالعلم أعظم ما يُتكبر به لذلك قال الله عزوجل لنبيه {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ }الشعراء215
العبادة    كثير من الزهاد والعباد يرون الناس هالكين وأنهم ناجين ويذكرونهم بالورع والتقوى ويرون أن على الناس ان يزورونهم ويوسعون لهم فى المجالس ويقدمونهم على سائر الناس ويقضون لهم حوائجهم لذلك نجد بعض الناس يهتم كثيرا بالقرآن ويفضل القرآن على كل شيء  فإذا وجد شخص لا  يقرأ القرآن إلا قليل وهو يقرأ 10أجزاء كل يوم فيراه مقصرا فى طاعة الله ويراه منفلتا من قراءة القرآن ويزدريه ويحتقره ,فماذا فعل به عمله وعبادته أدت به إلى ذلك فكان أولى إذا رأى ذلك قال اللهم لك الحمد فغيري يطعم الطعام ويجاهد فى سبيل الله وغيري يقوم على تزويج الفقيرات ويقوم بكذا وكذا فينظر لغيره أنهم يفعلون أفعال أفضل منه فالذي يقرأ القرآن يقرأ لنفسه أما الذى يزوج فقيرات أو يطعم الطعام أو يصلح بين الناس فهذا بلا شك أفضل من ملء الأرض بمثل ذاك اذا كانت بنية صالحة.
بواعث الكبر أربعة:العجب الحقد الحسد الريـاء
أمر الكبر أمر خطير جدا والإنسان إذا عرف ربه علم أن العظمة والكبرياء لا تليق إلا به سبحانه وتعالى,وكذلك معرفة العبد نفسه يقول لم أكن شيئا مذكورا ثم خلقني الله من أقذر الأشياء وأرذلها ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ثم جعلها عظاما ثم كسا العظام لحما كما قال تعالى{ قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ{17} مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ{18} مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ{19} ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ{20} ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ{21} ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ فما صار الإنسان شيئا مذكورا إلا وهو على أخس الأوصاف والنعوت فكان فى بداية خلقه جمادا ميتا  لا يسمع ولا يبصر ولا يشعر ولا يتحرك ولا ينطق ولا يبطش ولا يدرك ولا يعلم فبدأ بموته قبل حياته,وبضعفه قبل قوته وبجهله قبل علمه وبعماه قبل بصره وبصممه قبل سمعه وبضلالته قبل هداه وبفقره قبل غناه وبعجزه قبل قدرته,ثم منّ الله عليه ويسر له السبيل فأحياه بعد أن كان ميتا وأسمعه بعد أن كان أصم وبصره بعد أن كان فاقدا للبصر وقواه بعد الضعف وعلمه بعد الجهل وأغناه بعد الفقر وأشبعه بعد الجوع وكساه بعد العرى وهداه بعد الضلال قال تعالى {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً }الإنسان3 } فانظروا كيف دبر الله الإنسان وصوره و إلى السبيل كيف  يسره، وإلى طغيان الإنسان ما أكفره؟ثم انظروا إلى نعمة الله عزوجل عليه كيف نقله عن تلك الذلة والقلة والخسة والقذارة والعجز والضعف إلى هذه الرفعة والكرامة فصار موجودا بعد العدم وحيا بعد الموت وناطقا بعد البكم وبصيرا بعد العمى وقويا بعد الضعف ومهديا بعد الضلال قال تعالى { قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ }الملك23 وإنما أكمل النعمة عليه ليعرف بها ربه ويعلم بها عظمته وجلاله وأنه لا يليق الكبر إلا به جل جلاله ثم بعد ذلك يسلب الله عزوجل هذا الإنسان روحه وسمعه وبصره وعلمه وقدرته وماله وحسه وحركته فيعود جمادا كما كان أول مرة ثم يوضع فى التراب,ويصير جيفة منتنة قذرة كما كان أول نطفة مذرة,ثم يصير بعد ذلك رميما ورفاتا يأكله الدود, ثم يصير روثا فى أجواف الديدان , وجيفة يهرب من نتنها الحيوان, ويستقذره الإنسان وأحسن أحواله أن يعود ترابا يعمل منه البنيان, وتصنع منه الكيزان, فيصير مفقودا بعد أن كان موجودا, وليته بقا كذلك فما أحسن الحال لو كان ترابا, بل يحييه الله عزوجل بعد طول البلى ليقاسى شديد البلاء فيخرج من قبره بعد جمع أجزاءه ,ولـــــــكن يخرج إلى أهوال يوم القيامة فينظر إلى سماء مشققة وأرض مبدله وجبال مسيره ونجوم منكدرة وأحوال مظلمة وملائكة غلاظ شداد ونار مسعرة وجنة عالية وصحائف منشورة فيها كل أعماله فيتقطع قلبه ويتمزق فؤاده من هول ما رأى فى صحيفته من المخازي والكبائر فيقول {يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا} فمن كان هذا بدءه وهذه أحواله وهذا آخر أمره! من أين له البطر؟ ومن أين له الكبرياء؟ ومن أين له الفخر؟ ومن أين له الخيلاء؟ بل هو على التحقيق أخس الأخساء وأضعف الضعفاء فكيف لمن  هذا حاله التكبر والتعظم ؟ بل ماله وللفرح فى لحظة واحدة؟ فضلا عن البطر والأشر والكبر ,ولكن وبكل صراحة هذه عادة الخسيس إذا رفع من خسته شمخ بأنفه وتعظم وكما قال سبحانه وتعالى {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى }العلق7 ولو فوض الله أمره إليه وأدام له الوجود باختياره وأكمله لجاز له أن يطغى وينسى المبدأ والمنتهى ولــكن الله عز وجل سلط عليه في دوام وجوده فى الأرض الأمراض الهائلة والأسقام العظيمة والأوبئة المختلفة شاء أم أبى لا يأمن فى لحظة من ليله أو نهاره أن يسلب سمعه أو بصره أو عقله أو ماله أو تختطف روحه أو يسلب جميع ما يهواه فى الدنيا فهو مضطرب مضطر ذليل عاجز فقير لا يقدر على شيء من نفسه ولا شيء من غيره,أي شيء أذل منه لو عرف نفسه وأنى يليق به الكبر.
فهذا هو العلاج العملي القامع أن يعرف الإنسان نفسه بحق
ويكون لله بالتواضع ولسائر الخلق بالمواظبة على أخلاق المتواضعين من الأنبياء والمرسلين وأتباعهم، وينظر كل ما يتقاضاه الكبر من الأفعال المذمومة فليواظب على نقيضه حتى يصير التواضع له خلقا فالقلوب لا تتخلق بالأخلاق المحمودة إلا بالعلم والعمل جميعا والكبر بالعلم أعظم الآفات وأغلبها وأبعدها عن قبول العلاج إلا بشدة شديدة وذلك لأن قدر العلم عظيم عند الله عظيم عند الناس وهو أعظم من قدر المال والجمال وغيرهما بل لا قدر لهما أصلا إذا كان معهما علم وعمل,فللعلم طغيان كطغيان المال  ولذلك يعجز العالم عن أن لا يستعظم نفسه بالإضافة إلى الجاهل لكثرة ما نطق الشرع بفضائل العلم وذلك فى حديث (ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأُتى به فعرفه نعمته فعرفها فقال له فما عملت فيها فقال تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن فيقول المولى سبحانه وتعالى إنما تعلمت العلم وعلمته ليقال قارئ وقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقى فى النار)
فكما أن العالم فضله أعظم من فضل غيره فكذلك خطره أعظم من خطر غيره فهذا بذاك أي هذا الخطر يمنع من التكبر,والعالم إذا فكر فيما ضيع من أوامر ربه بذنوب باطنه وجنايات على جوارحه وعلم بما هو بصدده العظيم فارقه كبره لا محالة
والكبر لا يليق إلا بالله عزوجل والعالم إذا تكبر صار ممقوتا عند الله بغيضا والله  عزوجل يحب من يتواضع له فمن تواضع لله رفعه فى الدنيا والآخرة .
فالواجب على كل عبد فينا ألا يتكبر على خلق الله فإن رأى جاهلا قال هذا عصى الله بجهله وأنا عصيته بعلمي,وإن نظر إلى كبير قال أطاع الله قبلي فكيف أكون مثله, وإن نظر إلى صغير قال إني عصيت الله قبله فكيف أكون مثله والله عزوجل خلق السموات والأرض وما بينهما وخلق الليل والنهار وخلق الشمس والقمر والنجوم والملائكة الذين لا يحصيهم إلا الله خلق كل شيء وكل هذه المخلوقات مطيعة لربها منقادة بأوامره عابدة له سبحانه وتعالى,
إذن الإنسان إذا استكبر بعد ذلك كله هل ينفع معه موعظة؟وهل ينفع معه شيء؟
فالأرض والملائكة بكل هؤلاء يخشعون لله عزوجل,هذه الأرض تقف خاشعة لله وهى تتلقى من يديه الحياة فاهتزت وربت لتشارك العابدين عبادتهم لرب العالمينقال تعالى {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }فصلت39
المتكبر جاهل ,المتكبر جــــــاهل , نعوذ بالله من الجهل
وللدرس بقية السبت القادم ان شاء الله
جزى الله خير الجزاء أختنا التي فرغت المحاضرة
ولم يُراجع التفريغ من الشيخ المحاضر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق