>

الأربعاء، 20 أبريل 2011

فوائد من صاحب كتاب الفوائد

القوة العلمية والقوة العملية
يقول ابن القيم رحمه الله:
فائدة
 للإنسان قوتان قوة علمية نظرية وقوة عملية إرادية
وسعادته التامة موقوفة على استكمال قوتيه العلمية والإرادية
واستكمال القوة العلمية إنما يكون
بمعرفة فاطره وبارئه ومعرفة أسمائه وصفاته
ومعرفة الطريق التي توصل إليه ومعرفة آفاتها
ومعرفة نفسه ومعرفة عيوبها
فبهذه المعارف الخمسة يحصل كمال قوته العلمية
وأعلم الناس أعرفهم بها وأفقههم فيها
و استكمال القوة العلمية الإرادية لا تحصل إلا بمراعاة
حقوقه سبحانه على العبد والقيام بها إخلاصا وصدقا ونصحا وإحسانا ومتابعة وشهودا لمنته عليه وتقصيره هو في أداء حقه فهو مستحي من مواجهته بتلك الخدمة لعلمه أنها دون ما يستحقه عليه ودون  ذلك وأنه لا سبيل له إلى استكمال هاتين القوتين إلا بمعونته فهو مضطر إلى أن يهديه الصراط المستقيم الذي هدى إليه أولياءه وخاصته وأن يجنبه الخروج عن ذلك الصراط إما بفساد في قوته العلمية فيقع في الضلال
وإما في قوته العملية فيوجب له الغضب
انتهى من كلام ابن القيم في كتاب الفوائد

قاعدة:
السائر إلى الله تعالى والدار الآخرة، بل كل سائر إلى مقصد، لا يتم سيره ولا يصل إلى مقصوده إلا بقوتين:
قوة علمية، وقوة عملية،
فبالقوة العلمية يبصر منازل الطريق، ومواضع السلوك فيقصدها سائراً فيها، ويجتنب أسباب الهلاك ومواضع العطب وطرق المهالك المنحرفة عن الطريق الموصل. فقوته العلمية كنور عظيم بيده يمشى به في ليلة عظيمة مظلمة شديدة الظلمة، فهو يبصر بذلك النور ما يقع الماشي في الظلمة في مثله من الوهاد والمتالف ويعثر به من الأحجار والشوك وغيره، ويبصر بذلك النور أيضاً أعلام الطريق وأدلتها المنصوبة عليها فلا يضل عنها، فيكشف له النور عن الأمرين: أعلام الطريق، ومعطبها.
وبالقوة العملية يسير حقيقة، بل السير هو حقيقة القوة العملية، فإن السير هو عمل المسافر. وكذلك السائر إلى ربه إذا أبصر الطريق وأعلامها وأبصر المعاثر والوهاد والطرق الناكبة عنها فقد حصل له شطر السعادة والفلاح، وبقى عليه الشطر الآخر وهو أن يضع عصاه على عاتقه ويشمر مسافراً فى الطريق قاطعاً منازلها منزلة بعد منزلة، فكلما قطع مرحلة استعد لقطع الأُخرى واستشعر القرب من المنزل فهانت عليه مشقة السفر........الى اخر كلامه النفيس
 [طريق الهجرتين وباب السعادتين - ابن القيم ص: 183]

ويقول رحمه الله في موضع آخر
قال تعالى:
وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)
 قال الشافعي رضي الله عنه لو فكر الناس كلهم في هذه السورة لكفتهم وبيان ذلك إن المراتب أربعة وباستكمالها يحصل للشخص غاية كماله
 إحداها معرفة الحق
 الثانية عمله به
 الثالثة تعليمه من لا يحسنه
 الرابعة صبره على تعلمه والعمل به وتعليمه
فذكر تعالى المراتب الأربعة في هذه السورة وأقسم سبحانه في هذه السورة بالعصر إن كل أحد في خسر إلا
الذين آمنوا وعملوا الصالحات وهم الذين عرفوا الحق وصدقوا به فهذه مرتبة
وعملوا الصالحات وهم الذين عملوا بما علموه من الحق فهذه مرتبة أخرى
وتواصوا بالحق وصى به بعضهم بعضا تعليما وإرشادا فهذه مرتبة ثالثة
وتواصوا بالصبر صبروا على الحق ووصى بعضهم بعضا بالصبر عليه والثبات فهذه مرتبة رابعة
وهذا نهاية الكمال فإن الكمال إن يكون الشخص كاملا في نفسه مكملا لغيره وكماله بإصلاح قوتيه العلمية والعملية
 فصلاح القوة العلمية بالإيمان
وصلاح القوة العملية بعمل الصالحات وتكميله غيره بتعليمه إياه وصبره عليه وتوصيته بالصبر على العلم والعمل
 فهذه السورة على اختصارها هي من أجمع سور القرآن للخير بحذافيره والحمد لله الذي جعل كتابه كافيا عن كل ما سواه شافيا من كل داء هاديا إلى كل خير....الخ
مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة
المؤلف : محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى : 751هـ)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق