>

الخميس، 29 سبتمبر 2011

الدرس الثانى - من أحكام الاسرة






أحكام الأسرة





إنّ الحمد لله نحمده و نستعين به و نستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له و أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمدا عبده و رسوله , صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلّم تسليما كثيرا.

أمّا بعد ,

المسألة الأولى: التعريف بأحكام الأسرة:

أحكام الأسرة هي الأحكام التي تخص المرأة –خصوصا- من الزواج و تكوين الأسرة المسلمة وهي تشتمل على مسائل منها الزواج و ما تفعله المرأة في أحكام الخِطبة و ما هو داخل في أحكام الخِطبة كالنظر و غير ذلك من الأحكام المعروفة في الخِطبة و أحكام العقد و أحكام الزواج نفسه من أحكام زفاف و غيره و الشروط التي يصح بها النكاح و أركان النكاح و المحرمات في الزواج و أحكام ما تشترطه المرأة على الرجل و الخيار في الزواج – يعني الأشياء التي يكون للمرأة الحق في فسخ الزواج فيها - و الصداق و المهر و منها أبواب عشرة النساء و أبواب تعدد الزوجات و أبواب الخلع و أبواب الطلاق و أبواب الرجعة و أبواب الإيلاء و أبواب الظِّهار و أبواب اللّعان و أبواب العدة و الرضاع و أبواب الحضانة و أبواب النفقات . كلّ هذه تسمّى أحكام الأسرة .



المسألة الثانية: ترغيب الشرع في الزواج:

قال الله عز و جل:" وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"

قال الله عز و جل :" وَمِنْ آيَاتِهِ –يعني و من نعمه و من معجزاته و من آياته للناس يعني من العلامات التي جعلها للناس ليهتدوا بها , ماهي هذه العلامات؟  - أَنْ خَلَقَ لَكُم – أيّها البشر - مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا – جعل الزوج من نفسك , من أنفسكم يعني من أنّكم بشر,فيها تفاسير : من أنفسكم يعني آدم , خلق الله حوّاء من آدم و من أنفسكم يعني أنّ الله عز و جل جعل الأزواج من أنفسكم يعني خُلقوا من أنفسكم فالمرأة خُلقت من الرجل و قيل من أنفسكم من البشر ,لم يجعل لكم أزواجا من غيركم –هذا يردّ على مدّعي اللبرالية و يقول بالزواج المدني فالزواج المدني معناه أنّ أيّ واحد يتزوّج أيّا كان سواء كان رجلا مثله أو قطّة أو حمار... هو حر يتزوّج ما يريد ,و هذا نسمّيه شذوذا و سمّي كذلك لأنّ الله عز و جلّ جعل من الفطرة أن يتزوّج الرجل المرأة – لِّتَسْكُنُوا – التعليل , لماذا؟ لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ .

قال النبيّ صلّى الله عليه و سلّم في الحديث الذي رواه البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنّه قال:  جاء ثلاث رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما أخبروا كأنهم تقالوها ، فقالوا : أين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، قال أحدهم : أما أنا فإني أصلي الليل أبدا ، وقال آخر : أنا أصوم الدهر ولا أفطر ، وقال آخر : أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ، لكني أصوم وأفطر ، وأصلي وأرقد ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني (وهذا دليل على أن الزواج من سنة النبي صلى الله علية وسلم



 وحديث علقمة   قال كنت مع  ابن مسعود رضي الله عنه ، فلقيه عثمان بمنى ، فقال : يا أبا عبد الرحمن ، إن لي إليك حاجة ، فخلوا ، فقال عثمان : هل لك يا أبا عبد الرحمن في أن نزوجك بكرا تذكرك ما كنت تعهد ؟ فلما رأى عبد الله أن ليس له حاجة إلى هذا أشار إلي ، فقال : يا علقمة ، فانتهيت إليه ، وهو يقول : أما لئن قلت ذلك لقد قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء,



أمر النبي صلّى الله عليه و سلّم الشباب بالزواج . هذا دليل على ترغيب الشرع في الزواج لتكثير الذرية .

هناك حديث آخر روى الإمام مسلم عن أبي ذرّ أن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ! ذهب أهل الدثور بالأجور . يصلون كما نصلي . ويصومون كما نصوم . ويتصدقون بفضول أموالهم . قال : " أو ليس قد جعل الله لكم ما تصدقون ؟ إن بكل تسبيحه صدقة . وكل تكبيرة صدقة . وكل تحميده صدقة . وكل تهليله صدقة . وأمر بالمعروف صدقة . ونهي عن منكر صدقة . وفي بضع أحدكم صدقة " . يعني الجماع -  قالوا : يا رسول الله ! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال : " أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه فيها وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجرا " . . هنا أيضا يشير النبي صلى الله عليه و سلم أنّ في الزواج صدقة , في الزواج ثواب .

عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث ؛ صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له , (أخرجه الألباني في الصحيحة)  ففيه أنّ الزواج لو كان بنيّة الإتيان بالولد الصالح فيكون فيه أنّ الولد الصالح يدعو له فيكون ذخرا له بعد مماته ففيه فضل أيضا لهذا الزواج.

المسألة الثالثة : المقصود من الزواج:

ما المقصود من الزواج و ما النية التي تستحضرها المرأة إذا رغبت في الزواج ؟

أولا : سنّة النبي صلى الله عليه و سلّم و أنّ هذه هي السنّة :" من رغب عن سنّتي فليس منّي " و اتباع سنّة النبي صلى الله عليه و سلّم يؤجر بها العبد و إن لم تحصل

 يعني طالما الإنسان ينوي في قلبه أن يفعل سنّة النبي صلى الله عليه و سلّم , تبلغ نيّته مبلغ العمل و يأجر الله عز و جل على هذه النيّة , فإتباع سنّة النبي صلى الله عليه و سلم أوّل مقصد من مقاصد الزواج .

ثانيا : الإقتداء بهدي المرسلين فهي ليست سنّة النبي صلى الله عليه و سلّم فقط بل المرسلين كلّهم يتزوجون و جعل الله لهم أزواجا و جعل لهم ذريّة .

ثالثا : كسر الشّهوة

رابعا : غضّ البصر فهو أغضّ للبصر و أحفظ للفرج "

خامسا : تحصين الفرج

سادسا : طلب العفاف بالنسبة للزوج و لكِ يعني الزوج ينوي إعفاف زوجته و الزوجة تنوي إعفاف زوجها

سابعا : عدم انتشار الفواحش لأنّ انتشار الزواج يقضي على انتشار الفواحش بين المسلمين , و الذين يحبّون أن تشيع الفاحشة مذمومون و ملعونون .

ثامنا : تكثير نسل المسلمين , هذا مقصد أيضا من مقاصد الزواج الذي باهى به الرسول صلى الله عليه و سلم سائر الأنبياء به فيأتي يوم القيامة و أمّة الرسول أعظم الأمم " تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة " (صححه الألباني من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه)

التاسع : تحصيل الأجر بجماع الزوجة بحلال أو تحصيل الأجر في جماع الزوج في حلال, هذا مقصد من مقاصد الزواج و فيه أجر عظيم كما قال النبي صلى الله عليه و سلّم فيه.

العاشر: حبّ ما يحبّه النبي صلى الله عليه و سلّم فالنبي صلى الله عليه و سلّم حبّب له الزواج و كذلك كلّ ما يحبّه النبي صلى الله عليه و سلّم من الإيمان أن يحبّه المؤمن .

الحادي عشر: إيجاد الذريّة المؤمنة التي يُرجا منها الذبّ عن بيضة الإسلام , إيجاد الذرية المؤمنة ,هذه الذرية الجيل القادم, الذي يحمل راية الإسلام و به ينتصر الدين و به يتحقق وعد الله عز و جل  و وعد النبي صلى الله عليه و سلم و الله عز و جل لا يخلف وعده فوعد الله عز و جل أنّه سيأتي جيل من هذه الأمّة يكون على يديه النصر و ينتصر الإسلام بهذا الجيل فهل يا ترى نحن هذا الجيل؟ أم ذريتنا؟ أم ذريّة ذريّتنا أم ماذا؟ نحن علينا الواجبات الشرعية نعمل طاعة الوقت ,ندعو لله عز و جل و نبذل جهدنا في ذلك و نربّي أبناءنا على ذلك فإن كنّا نحن الجيل فبها و نعمة و إن لم يكن فذريّتنا لعلّها تكون هذا الجيل فآخذ أنا أجرها فهو كما قال صلّى الله عليه و سلّم "  و ولد صالح يدعو له"

الثانية عشر :تكون فيها مودة ورحمة وسكن
تحقيقا للآية "  و جعل بينكم مودّة و رحمة"

الثالثة عشر : وجوب صلاح الأبناء الذين يدعون للآباء: أحيانا الإنسان ينوي أن يكون ولدا صالحا يدعو له فيكون من الصدقة الجارية التي تجري عليه بعد موته .
الرابع عشر : وجود السكن الذي يطمئنّ إليه الزوج , هذه نيّة أيضا للمرأة أن تجعل بيتها سكنا لزوجها و هذه هي حقيقة الزواج , حقيقة الزواج هي سعادة الزوج بالزوجة و سعادة الزوجة بالزوج . هذا هو المقصود من الزواج , وجود سكن يطمئنّ إليه كلّ من الزوجين .

هذه هي مقاصد الزواج .

المسألة الرابعة: حكم الزواج بالنسبة للمرأة :

الزواج قد يكون واجبا على المرأة و قد يكون مستحبا و قد يكون حراما فحكمه يختلف باختلاف المرأة.


متى يكون واجبا ومتى يكون مستحبا و متى يكون حراما؟
قال العلماء إذا كانت المرأة تخشى على نفسها الفتنة و تقدّم لها الكفء وجب عليها الزواج , تخاف على نفسها الفتنة كالزنا أو الوقوع في المحرّم أن تفتن غيرها , و تقدّم لها الكفء الذي ترضاه في دينه و في معاشه و في خلقه و في مهنته –أحكام الكفاءة كلّها- إن رضيت هذا الكفء وجب عليها أن تتزوج .

أمّا إذا كانت لا تخش على نفسها الفتنة فالزواج في حقّها مستحب .

إذاً إذا سُئلت ما حكم الزواج بالنسبة للمرأة تقولي إن خافت على نفسها الفتنة و تقدّم لها الكفء وجب عليها أن تجيبه ,إن لم تخف على نفسها الفتنة أستحبّ لها أن تجيبه .

متى يكون حراما؟

يكون حراما لو أخلّت بحقوق زوجها , لو تزوجت و أخلّت بحقوق زوجها . مثلا إمرأة سيئة الطباع , سبّابة شتّامة و هكذا , نقول لها إن تزوجت و لم تقومي بحق الزوج من الأدب فهذا حرام في حقّك و حرام في حقّ زوجها أيضا إن كان كذلك , لم تقم بحقّ زوجها في الإعفاف يحرم عليها أن تتزوج و غير ذلك من الأحكام التي تخلّ بعد ذلك .
إذا حكم النكاح نفسه مستحب و هو أصل الحكم و يتغيّر هذا الحكم للوجوب و الحرمة على حسب القرائن, يعني أصل الزواج مستحب أمّا إذا ارتبطت به الفتنة فيكون واجبا و إن ارتبطت به إضاعة لحقّ الزوج فيكون حراما , هذا هو حكمه بالنسبة للمرأة.

حكمه بالنسبة للرجل قريب من ذلك جدّا :الرجل أيضا يجب عليه أن يتزوّج إن كان يخاف على نفسه الفتنة و يحرم عليه أن يتزوّج إن لم يقم بحقوق المرأة أو كان أمرا خارجا كأن يتزوّج في دار حرب لأنّه في دار الحرب أولاده يمكن أن يُقهروا فيكون أرقّاء عند الأعداء أو تكون له فتنة إذا تزوّج في دار الحرب قد يأخذون زوجته فلا يستطيع أن يحميها

و الآن إن تزوّج في بلاد الغرب أحيانا قد تغضب منه و تأخذ الأولاد و لا تكون على الإسلام أو تكون على  الإسلام و تتنصّر فيتنصّر الأولاد و هذا أمر خطير , فيلزمه أن يراعي هذا الأمر إن أراد أن يتزوّج في بلاد الغرب فليتزوّج بمسلمة عفيفة يثق بها و يثق بأولاده معها إن مات حتى هناك , في دار الحرب لا بدّ أن يثق أنّ أولاده لن يتركوا هذا الدين و أنّ زوجته ستستمر  في تربية هؤلاء الأولاد .

المسألة الخامسة احكام صلاة الإستخارة :

هذه مسألة فرعية و تختص بالزواج اختصاصا كبيرا . الاستخارة لها أهميّة كبيرة جدا في مسألة الزواج و موضوع الاستخارة في الزواج موضوع أساسي , لا تستغني عنه امرأة تريد السعادة في الدنيا و السعادة في الآخرة .

حديث الاستخارة حديث معروف رواه البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنّه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كما يعلمنا السورة من القرآن ، يقول : إذا هم أحدكم بالأمر ، فليركع ركعتين من غير الفريضة ، ثم ليقل : اللهم إني أستخيرك بعلمك ، وأستقدرك بقدرتك ، وأسألك من فضلك العظيم ، فإنك تقدر ولا أقدر ، وتعلم ولا أعلم ، وأنت علام الغيوب . اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي ، في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ، أو قال : عاجل أمري واجله ، فاقدره لي ويسره لي ، ثم بارك لي فيه ، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي ، في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ، أو قال : في عاجل أمري واجله ، فاصرفه عني واصرفني عنه ، واقدر لي الخير حيث كان ، ثم أرضني به . قال : ويسمي حاجته .

·       هذا الحديث يدلّ على أنّه يستحبّ للمرأة إذا تقدّم لها زوج أن تستخير الله عز و جل .
·       لا يجوز للمرأة أن تستخير في أصل الزواج إنّما يُشرع لها الاستخارة على الزوج نفسه.

يعني من النساء من تستخير هل تتزوّج أم لا؟ لا يجوز في حقّها أن تستخير في ذلك لأنّ الزواج غير قابل للاستخارة فالزواج مطلوب شرعا و الله حثّ عليه فلا يمكن أن تخيّري الله عز و جل أن يختار لكِ الخير, الخير في الزواج , هذا أمر قد قدّره الله عز و جل  و أمر به. إنّما الاستخارة تكون على الزوج , هناك زوج متقدِّم و الأخت متردّدة في حقّه فهل توافق أم لا؟ هذه المسألة تستخير عليها المرأة .

·       ما هي أهميّة الاستخارة؟

الاستخارة هي تجريد الافتقار إلى الله فإنّك تقدر و لا أقدر و تعلم و لا أعلم ففيه افتقار إلى الله و نفي العلائق إلاّ بالله ,
 كلّ علقة لغير الله تقطعيها و تتوجّهي لله بقلبك بأنّك تقولين لله أنت الوحيد يا الله الذي تستطيع أن تختار لي الخير

 فتجريد الإفتقار إلى الله و نفي العلائق إلاّ بالله و تحقيق التوكل. التوكّل في هذا يظهر جدا أنّك تتوكّلين على الله فإن اختار الله لك شيئا تقبلين عليه و أنت مطمئنّة لأنّك وثقت باختيار الله و تفويض الأمر إلى الله هذا أوّل أمر في الإستخارة .

الثاني ضمان الفلاح و النجاح لأنّك خيّرت الله عز و جل فلا بدّ أن تثقي في نفسك أنّك ضمنت الفلاح في الإختيار و النجاح في الأمر و التوفيق في السعي و هذا أمر عظيم ,أن تثقي في ذلك, فمن فوّض أمره إلى الله كفاه و من سأل الله بصدق أعطاه حاجته و لم يمنعه من حاجته شيئا .

الثالث الرضا بالقضاء و القناعة بالمقسوم فمن استخار ربّه في شأنه لم يندم على خيار , هذا هو ما اختاره الله لكِ , فمهما يكن أنتِ تظنّين انه فيه سوء فاعلمي أنّه من اختيار الله و الله لا يختار إلاّ الصالح كما قال العلماء " الله عزّ و جلّ ليس في شرعه إلاّ المصالح المحضة و لم ينه إلاّ عن المفاسد المحضة أو الراجحة " فالله عزّ و جلّ ما اختار لكي إلاّ ما يُصلحك فيتولّد ذلك في قلبك الرضا .

 الرضا هو وقود السعادة . ما دمت قد رضيت إذاً لا بدّ أن تكوني سعيدة لأنّه إن عُدم الرضا عُدمت السعادة لأنّ الإنسان الذي لا يرضى بشيء لا يكون سعيدا مطلقا

و لذلك تجدي في لفظ حديث الإستخارة " ثم أرضني به " حتى أكون سعيدة لا بدّ أن أرضى . لو أنّ هذا الأمر أنتِ متأكّدة من أنّه اختيار الله لكي و مع ذلك لا تكونين راضية فستكونين تعيسة طِوال عمرك لأنّك لم ترض بشيء فالرضا هو وقود السعادة و تكون في ذلك الإستخارة بالقضاء و يكون هذا الأمر مرتبط بالإيمان , الإيمان بالقضاء و القدر و الرضا به و يقوم في قلبك الطمأنينة و اليقين الذي يدفع كلّ حزن يحصل في الإختيار , يعني لو أنّ الله اختار لك ما ليس على هواك فسترضين به لأنّه اختيار الله و سيتولّد في قلبك الطمأنينة و اليقين الذي يدفع عنك الحزن الذي تولّد من مخالفة هواك  .
 قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :" ما ندم من استشار الخالق و شاور المخلوقين و ثبت في أمره " فهذا هو المقصود من الإستخارة .

تحقيق العبودية بالاستخارة

الإستخارة وجه من وجوه تحقيق العبودية لله و تعلّق القلب بالله و تخلّصه من تعلّقه بالمخلوقين , هذا هو تحقيق العبوديّة الحقيقيّة أنّكِ عبدت الله في كلّ أفعالك و كلّ حياتك " قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " حتّى ما جعلت لهواك اختيار فلو أنّك اخترت هواك في الأمور المباحة –حتى في الحديث يقول في الأمور كلّها , في كلّ أمر حتّى لو أنّه مباح و استخرت الله عزّ و جلّ هذا تحقيق للعبوديّة , أنّك تحقّقين هذه الآية " وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي " كلّ ما في هذه الحياة من مباحات أسأل الله أن يختار لي الصالح و ليس لي هوى لأنّ العبد الذي يحبّ معبوده في الحقيقة يحبّ ما يحبّه معبوده و لا يجد لهواه منفذ إلاّ ما اختاره له معبوده .

 يوجد حديث ضعيف لهذا المعنى و لكن ضعّفه الشيخ الألباني" لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به "هذا حديث ضعيف و لكن معناه صحيح أنّ الإيمان الحقيقي أن يكون هوى العبد تبع لله عز و جل .

أحكام الإستخارة  :

نأتي لأحكام الإستخارة المهمة , سنقرأ الحديث و نأخذ منه الأحكام حكما حكما
 قال جابر:" كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعلّمنا الإستخارة, في الأمور كلّها كما يعلمنا السورة من القرآن يعني هذا أمر من الأمور الدينيّة المهمّة التي يحرص النبي صلى الله عليه و سلم أن يعلّمها للناس كالصلاة أرأيت النبي صلى الله عليه و سلّم وهو يصلّي على المنبر ليعلّم الناس الصلاة هذا لأهميّة الصلاة فجابر رضي الله عنه يقول  كان النبي صلى الله عليه و سلّم يعلّمنا الإستخارة يعني صلاة الإستخارة و دعاء الإستخارة في الأمور كلّها ,عموم كلّ أمر يهمّ الإنسان بعمله يستخير الله عز و جل فيه "كما يعلمنا السورة من القرآن" هذه مبالغة في الأهميّة أنّه لم يعلّمهم كما علّمهم أيّ شيء إنّما يعلّمهم الإستخارة كما يعلّمهم السورة في القران و تعليم السورة في القران يكون بشدة بالكلمة و بالحرف .لو أنّ رجلا أراد أن يتعلّم القرآن أو امرأة و جاءت إليك لتسمّع القرآن ماذا تقولين لها؟ المد لم يخرج أربع حركات , تهتمين بهذه الأمور الدقيقة . هذا دليل على أهميّة الأمر .
يقول النبيّ صلى الله عليه و سلّم " إذا همّ " الهمّ هو العزم على فعل الشيء "إذا همّ أحدكم بالأمر" همّ يعني عزم على أن يفعل شيئا " إذا همّ أحدكم بالأمر" الأمر ليس فيه تصغيرا لأيّ شيء ,أيّ أمر إذا همّ به , هناك من الناس من قال همّ أي تردّد هذا أيضا من معاني الإستخارة أمّا همّ بمعنى عزم على فعل شيء يعني هو قرّر أن يتزوّج هذه المرأة يستخير , هذا معناه , و ليست الإستخارة في التردد فقط , الإستخارة تكون في التردد و في الهم و في العزم في الأمور كلّها.
"إذا همّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة" من غير الفريضة يعني نافلة .
هل من الممكن أن تكون هذه النافلة سنة ظهر أو سنّة عصر أو سنّة مغرب؟ نعم , من غير الفريضة يعني أيّ صلاة .

هل من الممكن أن تكون الفريضة نافلة مطلقة؟ نعم , أيّ شيء من غير الفريضة
هل من الممكن أن ينوي أحدنا هاتين الركعتين مع ركعتين أخرتين , مع سنة الوضوء ,مع تحيّة مسجد مع صلاة الإستخارة؟ نعم , مع أيّ ركعتين

هل ممكن أن تصلَّى في وقت النهي ؟ العلماء قالوا إن كانت الإستخارة ضيّقة الوقت بحيث لا تتّسع صلاة الإستخارة لذهاب الوقت و كان لها سبب فإنّه يجوز الإستخارة في هذا الوقت .أمّا إذا كانت الإستخارة موسّعة فلا تصلّى في وقت النهي. إذاً الصلاة في وقت النهي في ضيق الوقت فقط.

الاستخارة فى حق الحائض ؟
المرأة الحائض إذا أرادت أن تستخير ماذا تفعل؟ قال الإمام النووي  في كتابه الأذكار و نقل ذلك عن بعض العلماء " لو أنّ المرأة حائض يجوز لها أن تدعو بدعاء الإستخارة دون صلاة و هذا يكون في حقّها إستخارة "

و قال الإمام النووي الإستخارة هي الدعاء و الصلاة قبلها

يعني
الإستخارة في الحقيقة هي الدعاء إنّما الصلاة قبل الدعاء معناه تقديم طاعة قبل هذه الإستخارة مظنّة الإجابة إذا قال الإمام النووي دعاء الإستخارة بخلاف صلاة الإستخارة و يجوز للمرء , مرأة أو رجل, أن يدعو بالدعاء دون صلاة و أنّ الصلاة قبلها تكون من أجل تقديم الطاعة و سنّة النبي صلى الله عليه و سلّم " إذا همّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثمّ ليقل" بعد الصلاة يعني "ثمّ ليقل"

فأفضل أحوال الإستخارة هو أن يصلي ركعتين ثمّ يقول دعاء الإستخارة .

 إن تعذّر ذلك جاز للمرأة أو للرجل أن يدعو دعاء الإستخارة دون صلاة و لكن هذا أبعد من الأوّل ,الأوّل أفضل.

يقول " إذا همّ احدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثمّ ليقل " كلمة ثمّ تفيد التراخي فالعلماء قالوا فيه دليل على أنّ دعاء الإستخارة بعد السلام .
 لو افترضنا أنّ المرأة قرأت دعاء الإستخارة في السجود هل هذا يُجزئ؟ نعم
يجزئ .
 لو قرأته بعد التشهّد و قبل السلام يجزئ؟ نعم يجزئ.

إذا كلّ هذا يجزئ لكن الأفضل أن تقول دعاء الإستخارة بعد السلام لقول النبيّ صلّى الله عليه و سلّم " ثمّ ليقل" ثمّ هنا للتراخي.

يقول " اللهم إنّي أستخيرك " يعني أطلب إختيارك , أطلب منك أن تختار لي " بعلمك" يعني مستعينا بعلمك , هذا افتقار علمي ,كأنّه يقول لله أنا لا أعلم شيئا أنت العليم الحكيم فأستخيرك , أطلب منك أن تختار لي , بسبب أنّك عليم و أنّك تعلم و أنا لا أعلم " و أستقدرك" أطلب منك القدرة على فعل المطلوب , القدرة لأنّ الله قادر على أن يفعل كلّ شيء " وأستقدرك بقدرتك" و أستعينك بقدرتك , إفتقار لقدرته , كأنّك تقولين لله أنا لا أقدر أن أفعل شيئا و أنا لا أعلم شيئا و أنا لا أستطيع من أمري شيئا فأسألك لأنّك قادر و لأنّك عالم و لأنّك تقدر على أن تفعل المراد و ما تختاره لي " و أسألك من فضلك العظيم" هذا إفتقار أيضا لأنّك تسألين الله من فضله و ليس لك فيه منّة ,ليس لأنّك تعبدين الله و الله عز و جل يستجيب إليك , لا, الله عز و جل إن إستجاب لك فمن فضله لأنّك ليس باستحقاقك و لكن من فضل الله عليك " و أسألك من فضلك العظيم" لأنّ فضلك يا الله عظيم يحتوي جميع المخلوقات و أنا منهم و أسألك من هذا الفضل أن تختار لي

"فإنّك تقدر و لا أقدر و تعلم و لا أعلم و أنت علاّم الغيوب " صفات القدرة و العلم و خصوصا علم الغيب لأنّ هذا الأمر غيب محض .كثيرا من النساء يخترن أزواجا و يندمن على هذا الإختيار و كثير من الأزواج يختارون زوجات و يندمون على هذا الإختيار فمعرفة الله عز و جل للغيب في هذا الأمر واضحة جدا ,أنّ الإنسان لو كان يعلم ما في الغيب لما اختار هذا الإختيار ففوّض هذا العلم لله لأنّه وحده الذي يعلم الغيب . فيه نفي للحول و القوّة من المرء كأن تقولي لا حول و لا قوّة إلاّ بالله , لا حول لا حركة و لا قوّة إلاّ بالله عز و جل , لا قدرة و لا علم إلاّ بالله

ثمّ تدخلين في الموضوع : "اللهمّ إن كنت تعلم أنّ هذا الأمر و تسمّيه بالاسم –مثلا أنّ هذا الأمر زواجي من فلان- خير لي في ديني و معاشي و عاقبة أمري "

خير يكون في ثلاثة أمور في الدين

 1-أنّ هذا الزوج يعينك على طاعة الله لعلّه يكون زوجا زائغا , بعدما يتزوّج منك يزيغ في الالتزام و لا يثبت على التزام فيكون تنغيص للحياة " في ديني و معاشي"

2-العيش في هذه الدنيا, يكون خيرا لي  أي يسبّب السعادة , ليس سيّء الخلق ,ليس ضعيفا في شخصيّته بحيث لا أستطيع أن آخذ حقّي من غيري

3-" و عاقبة أمري" في غير ذلك من عواقب الأمور , عاقبة أمري في المستقبل , و عاقبة أمري في الجنة هل هذا هو خير لي؟ أو قال في رواية أخرى " عاجل أمري و آجله " إن كان هذا خيرا " فاقدره لي" إذا أسأل الله أن يجعله قدري "و يسّره لي ثمّ بارك لي فيه " يسّره لي هذه هي علامة إستجابة الإستخارة . كثير من النساء تسأل أنا استخرت كيف أعرف أنّ الإستخارة تمّت أم لا؟ بالتيسير و انشراح الصدر بعض النساء يقلن بالمنام أجد في المنام ما يسرّني وهذه ليست قاعدة لأنّ الشيطان يتلاعب ببني آدم لعلّ يكون هذا الزوج خير و يأتي الشيطان و يزعجها دائما في ذلك و هذا المنام ليس في ذلك له مدخل

إنّما الحديث يقول " و يسّره لي" فالتيسير سبب مع انشراح الصدر ." ثمّ بارك لي فيه" سؤال البركة في الشيء. انظري أنتِ قلت لله عز و جل " قدّره لي و يسّره لي ثمّ بارك لي فيه" لأنّه خير لي في ديني و معاشي كأنّك أنتِ اخترت ما هو خير لكِ في دينك و معاشك و قلت زواجي من فلان

و الشطر الآخر من الحديث " إن كان شرّا لي" فمعناه أنّك اخترت ما ترغبين فيه , يعني تستخيرين في مرادكِ أوّلا , يعني مثلا لو جاء إليك زوج فتختاري أولا ما تريدين فعله ثمّ تخيّري الله عز و جل فيه يعني أنت تريدين الزواج منه فتقولين إن كان خيرا لي فزوّجني منه و إن كان شرّا لي "فاصرفه عنّي و اصرفني عنه و قدّر لي الخير حيث كان ثمّ رضّني به " كلمة رضّني  أو ارضنى به يعني أنّ هذا هو الذي يخالف هواك و تسألين الله أن يرضّيك بهذا المقدور معنى هذا الكلام أن تختار الأخت أولا ما تريده هي و تستخير عليه و يقول" إن كنت تعلم" هذه العبارة تسمّى في اللغة أسلوب إستعطاف , إستعطاف للمنعم .إن كنت يا الله تعلم أنّ هذا خيرا لي يسمّونه أسلوب إستعطاف " و إن كنت تعلم أنّ هذا الأمر شرّ لي في ديني و معاشي و عاقبة أمري فاصرفه عنّي" اصرفه عنّي معناها اجعله بعيدا عنّي فمن علامات الإستخارة أيضا أن يُصرف عنك هذا السوء " واصرفني عنه" هذه أيضا من علامات الإستخارة أنّ الله عز و جل يصرفك عنه بضيق الصدر , بتعسير الأمور , يصرفك عنه بأمور أخرى , يحدث شيء يصرفك عن هذا الزوج

" و اقدر لي الخير حيث كان" بعد ما اصرفه عنّي اقدر لي الخير ,ارزقني ما هو أفضل منه
 " ثمّ أرضني به" يعني بعدما تصرف عنّي هذا السوء الذي أنا كنت أريده ارضني بقضائك و هذا أمر عظيم جدا أن يرضى الإنسان بقضاء الله .

 أريد من الأخوات أن يتوسّعن في هذا المعنى و يتعمقن في معنى الرضا لأنّ معنى الرضا يتولّد عنه كلّ عبادة و كلّ سعادة في الدنيا , الإنسان يرضى بما فيه خير , يرضى بقضاء الله , يجد في نفسه صعوبة و لكنّه راض بقضاء الله لأنّ الله عز و جل قدّر ذلك .
الرضا بالله عبادة قلبية و هي من العبادات التي لا بدّ للإنسان أن يحييها في قلبه لأنّها مصدر سعادة الإنسان الرضا بالقضاء و القدر . الرضا بقضاء الله هذه العبادة هي حلقة الوصل بين جميع العبادات القلبية . الرضا دليل على حبّك لله عز و جل و حبّك لمقدور الله عز و جل أن ترضي به وهو أيضا سبب للسعادة في الدنيا و الآخرة و هي عبادة .
















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق