>

السبت، 15 أكتوبر 2011

صفات المربى المحاضرة الثالثة --------تفريغ




المحاضرة الثالثة من دورة صفات المربى

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وأشهد إن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمد عبده ورسوله ,اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد ,كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد , وبارك  على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد أما بعد :

نستكمل بفضل الله تبارك وتعالى الحلقة الثالثة من شرح بحث صفات المربى دراسة تحليلية لكاتبه  احمد فهمي وهذا البحث وهذا البحث نشر منذ أكثر من خمسة عشر عاما 
في مجلة البيان وهو بحث جيد في تنظيره ولكنه يحتاج إلى قراءة واعية أكثر من مرة , ويحتاج إلى استحضار أمثلة جيدة لتوضيح وتبيين المعاني المذكورة في هذا البحث
وتكلمنا في بداية البحث عن أهمية وجود المربى الكفء لأنه يترتب وينبني عليه وجود الجيل الذي ننشده  ونرغب فيه ونتمناه وهو الجيل السلفي الرباني المتميز الذي يعيد لهذا الدين مجمده وعزه وعلوه بين الأمم

ثم تكلمنا بعد ذلك عن إن هذا الجيل المنشود لا يأتي إلا من خلال معلم سلفي رباني متخصص وقلنا:
لماذا نريد إن نعرف صفات المربى ؟ حتى نربى على بصيرة وعلى علم فلا نجرب في الناس وبعد ذلك تأتى الثمرة ضعيفة أو تذهب الثمرة بأكملها , ثم نرمى باللائمة على المدعوين, وعدم رغبتهم في التدين, لا فالأول علينا إن نفعل الأمر على الوجه الصحيح, ثم بعد ذلك الثمرة والنتيجة بيد الله تبارك وتعالى , فنلوم أنفسنا عند التقصير في بذل السبب , إما إذا بذلنا السبب كما ينبغي وعلى وجهه, ثم تأخرت النتيجة أو تأخرت الثمرة فلا يوجه لوم على هذا إلى المربيين , فقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن من الأنبياء من يأتي يوم القيامة ومعه الرجل والرجلان , ومنهم من يأتي وليس معه احد , مع أننا جميعا مقرون بأن الأنبياء غير مقصرين , فقد فعلوا ما أوجبه الله عز وجل عليهم , كالتبليغ وأداء الرسالة وأداء الأمانة , وكانوا صفوة الخلق في علو الهمة والأمانة والصدق إلى غير ذلك من الصفات الحميدة .
وقد قسمنا الصفات التي يجب إن تتوافر في المربى  إلى ثلاثة أقسام , ثلاثة مجموعات , ثلاثة مقومات
وقلنا أن
المجموعة الأولى: تسمى مقومات البدء والانطلاق وقلنا أن مقومات البدء والإنطلاق تحتوى على أربعة عناصر هي :

مقومات البدء والإنطلاق : هي مقومات لا يصلح أن نبدأ العمل التربوي وننطلق فيه إلا إذا توافرت تلك الصفات في الشخصية المربية
وضربنا مثال بالعربة التي من اجل أن أقودها  لابد أن أعرف بعض الأمور الأساسية التي تمكنني من القيادة بصورة صحيحة وبعد أن  أتعلم قيادتها ينبغي أن أتعلم بعد ذلك المقومات التي أتقن بها القيادة حتى أكون قائدا ماهرا,
وهذه هي المجموعة الثانية من المقومات وهى مقومات الإتقان

والمجموعة الثالثة من المقومات هي مقومات الاستمرار :
وهذه المقومات هي مقومات البذل والعطاء والجهد المتواصل

وقد تكلمنا في مقومات البدء والإنطلاق عن أربع صفات  لا بد أن تتوافر بقدر مناسب ولا يشترط إن تكون 100% في المربى أو المربية حتى تستطيع في مزاولة عملها التربوي

والصفات هي :
العلم    .... حسن السمت ....   الثقافة والتجربة...    العمق الإيماني

ومقومات الإتقان تكلمنا فيها عن أربع صفات:
فهم الشخصية وتحليليها : وفسرنا لماذا نحتاج إلى فهم الشخصية وتحليلها ؟ حتى نستطيع الانتقاء ,وحتى نستطيع تحديد الإمكانيات والمواهب, وحتى يمكن استخدامها في المجال المناسب لها ,وحتى يمكن التعامل معها بالأسلوب الأمثل لكل شخصية مع مراعاة الأحاسيس والمشاعر والفروق العقلية , ولمعرفة التغيير في مستوى المتربي في الصعود والهبوط, ونفهما بالكلام والتحري والحوار إلى غير ذلك من الفراسة والاحتكاك
وقد قلنا أن علينا قراءة هذا البحث مرتين وتحضير ورقة وقلم وتدوين ما الذي تغير في شخصيتك بعد معرفة  المقومات الأساسية في المربى؟ وما الصفة التي كنت تقصرين بها أو لم تكن موجودة عندك ؟ وما نويت عمله لتجنب هذا التقصير ؟ وهل كان بك هذه الصفات أو بعض منها وهل كانت بهذه المنهجية؟ ومعرفة النقاط التي يجب عليك عملها لتحصيل هذه المنهجية ؟ولتبحث كل أخت بنفسها هل هي تتعلم العلم للتعلم فقط أم لتعلمه للناس وتربيهم عليه ؟
وأيضا حسن السمت  تبحث في نفسها هل هو موجود عندها وما الأشياء التي يجب عليها فعلها أو تجنبها لتحصيل هذه الصفة ؟

 وأيضا مسالة الثقافة والتجربة : هل هي تحب معرفة الإخبار والتعليق عليها في الجرائد ؟بيانات أهل العلم أو مقالتهم أو سماع بعض المناظرات لتتعلم منها وتعرف بعض المصطلحات الدارجة في المجتمع  لتوضيحها  ,

وأيضا العمق الإيماني : والبحث عن ماهية البرنامج الإيماني الذي على فعله للارتقاء بمستواي الإيماني حتى أنفع نفسي أولا, وحتى تقوى سواعدي في إثناء الأخوات عن طريق الضلال ,أو هداية الأخوات التي تحدن عن الطريق المستقيم .

ونشرع اليوم بإذن الله تعالى في بيان القدرة الثانية في مقومات الإتقان

وهى القدرة على الإقناع : فليست كل شخصيه ينفع معها التعامل بنفس الأسلوب, فقد نجد أخت حتى يستقيم أمرها وتفعل نفس الأمر, لا بد من الإكثار عليها في الكلام , وتكراره لها مرات, ويمكن أن تعاقب مرة أو اثنين إلى أن يستقيم أمرها, فشخصيتها تتحمل هذا القدر من المربية , وقد تكون أخت أخرى شخصيتها تحتاج أيضا إلى التكرار أو الشدة ولكنها لاتتحملها, فلو تعاملت معها المربية بشده أو أثقلت عليها الكلام أو نهرتها فقد تخرج ولا تعود إلى الحلقة مرة أخرى , أو المسجد فتكون بهذا قد فقدت بالكلية , وهناك أخت أخرى لا تحتاج أصلا إلى الشدة, ولا تحتاج إلى التكرار فتكفيها الإشارة كما يقال (الحر تكفيه الإشارة ) فقد تكون بنظرة واحده فقط, أو بتغيير معالم الوجه تعرف المراد
وهناك شخصيه أخرى يكفيها أن تذكر لها خطأ هذا الفعل وأنه ليس مثلها من تفعل هذا الأمر أو أن تقول المربية لها حقا كنت أنتظر منك أكثر من هذا  .

ما معنى القدرة على الإقناع ؟ أو ما معنى أن يقنع شخص شخصا آخر

الإقناع في اللغة يعنى
نقل حالة القبول  أو الرفض لأمر ما أكون مقتنعا به بحيث يقبله أو يرفضه هو الآخر بإرادته هو ورضاه مما يجعله ينادى بنفس الكلام ونفس الفكر  الذي اقتنع به

المربى يحتاج هذه  القدرة بدرجة عاليه, لأنه باستمرار يحاول تعديل السلوك و الأفكار الغير مرغوب بها أو نقل حب أمر معين لكي يفعله المتربي على يديه فمثلا لو أن مربيه جاءت لها فتاة تحب الأغاني, وترى أنها لا تخطأ فهي تحتاج إلى إقناع ,حتى تقتنع بالخطأ وتترك هذا الأمر خاصة إذا كانت في مرحلة المراهقة , فلابد من الإقناع بالأدلة الشرعية والأدلة العقلية , فعندها تبادر بالاقتناع  بالأمر والمناداة به والدفاع عنه

فمثلا: إذا أتت لي فتاة تلبس ملابس متبرجة , وليست مقتنعة بأن هذه الملابس حرام ,كأن تكون تلبس إيشارب مثلا وتقول أنه ساتره لنفسها ومحجبة, وتكن مقتنعة بهذا الأمر فعلي المربية أن تقنعها بخطأ هذا الأمر وتقنعها بالأمر الصحيح , وتوضح لها بان هذا الإيشارب هو جزء من الحجاب, ولكنه ليس هو الحجاب الذي أراده الله.

ومثال آخر: قد تكون هناك أخت على علاقة بشاب وتقول أن هذا الأمر ليس خطأ لأنها لا تفعل شيئا خطأ, وأنه سوف يتزوجها فهذه الأخت الأمر غير واضح لها فهي تفهم أن الخطأ هو الخطأ الكبير أما أن تكلمه  أو  تقابله فليس هذا خطأ بل أمرا عاديا ,فيجب على المربية أن تقنعها بان ما تفعله خطأ , وذلك بالحجة والبرهان وبالآية والحديث

إذا سوف تقابل المربية من المشاكل الكثير التي بحاجه إلى إقناع وحوار حتى يمكن إقناع المتربية بخطأ ما تفعله لتجتنبه وإيضاح أمره لها .

مثلا : لو أن طالبة تغش في الامتحان  يقال لها أن هذا حرام فعلى من تضحكين, فترد قائله الجميع يغش فليس هذا حرام, فهي مقتنعة بعدم خطأها , فهذه بحاجه إلى أن تقتنع انه حتى لو أن كل الناس تخطأ فلا تكوني مثلهم .

مثال آخر : أخت مصاحبة بنت غير ملتزمة, وهى ملتزمة ومنتقية ومتربية فتقول أنها راضيه عن نفسها, فهي والحمد لله ملتزمة ومحترمة ولا يعيبها أن صاحبتها غير ملتزمة, فهذه بحاجه إلى أن تفهم أن هناك فرق بين الزميلة والصديقة , والاختلاط الكبير مع إنسانة غير ملتزمة يضر ولا ينفع لان الصاحب ساحب , وهكذا فهي بحاجة إلى إقناع عقلي بخطأ هذا الأمر وأنها بحاجه إلى مصاحبة الملتزمات ,حتى لا تُضر  بكثرة الاختلاط مع هذه الفتاة , ولحاجتها الدائمة إلى مصاحبه الملتزمات ليزيد رصيدها الايمانى , ولا ترجع إلى الوراء بالتأثر بهذه الصاحبة , وتبدأ معها خطوات التراجع فترى ما تلتزم به زائدا عن الحد فتخفف منه إلى أن تصبح مثل صاحبتها, وتنتكس في دينها بعكس أن كانت مصاحبة للفتاة الملتزمة المتدينة, وتجدها دائما تفعل الخير وتحفظ القرآن وتلتزم بما عليها فترغب في أن تكون مثلها حتى وان لم تطلب منها هذا الأخت الملتزمة فعل هذا فالصاحبة الأولى جعلتها تفكر في أنها معقدة نفسها بالالتزام, وبدأت معها خطوات الشيطان, أما الملتزمة جعلتها تفكر , لماذا لا تلتزم مثلها وتفعل ما تفعل من تعلم العلم أو حفظ القرآن وتتساءل هل هي أفضل منها أو هل هي تحب الله عنها ؟ فتبدأ بهذا تخطو خطوات في القرب من الرحمن

فالمربية تحتاج إلى قدرة عاليه في الإقناع لان عملها قائم على هذا الإقناع خاصة  مع من تفهم بالعكس فالبنت التي تعمل الخطأ وهى تفهم هذا الخطأ فيكون إقناعها سهلا أما من لا تفهم أنها على خطأ فيكون أقناعها أصعب , لأنها تحتاج أولا إلى إقناعها بأنها على خطأ, وبعد إقناعها بأنها على خطأ تقنعها بتغيير هذا الخطأ وبعد ذلك تحثها المربية على فعل الصح إلى أن ينضبط حالها

فكيف نستطيع إقناع المربيات ؟ لا شك أن الإقناع ملكة  لدى البعض فقد تكون بالطبع عند البعض ,وآخرين ليس لديهم هذه الملكة ,ولكن يوجد خطوات تعزز الملكة عند من لديهم هذه الملكة , وأيضا تغرس هذه الملكة عند من ليس لديها  وكلنا عندنا  قدر من الإقناع بنسب متفاوتة حتى ولو بسيطة ولكننا نريد تنميتها

فما هي الأمور التي تنمى قدرة الإقناع عند المربية ؟
أولا:  استحضار الأفكار وترتيبها
لو أن إنسانا مريضا يحتاج إلى علاج  فهل يأخذ العلاج جرعة واحدة  حتى يشفى بأقل وقت ؟ هذا الكلام غير صحيح , وأيضا هل من يريد أن يقوى سريعا يأخذ فيتامينات بكثافة  ؟ لا هو يتناولها جرعة جرعة إلى أن تنتهي الجرعة في الوقت المحدد , كذلك من عنده مشكلة تربوية ,و من عنده مشكلة إيمانية , لا يمكن أن آتى في مره واحده وأعطيها مايلزم

فهناك فارق كبير بين الدعوة العابرة  وبين التربية
 فالدعوة العابرة :هي لأخت قد لا أراها إلا في موقف معين فهذه أبين لها الحكم الشرعي كاملا وان التزمت به أو لم تلتزم فقد أقمت عليها الحجة, ولم تكن هي حجة على
ولكن يختلف هذا الأمر مع شخص يكون  المربى معه باستمرار مثل الزوج مع زوجته أو الأب والأم مع أولادهم والأخ مع أخواته , القريب مع أقاربه ,هذا لا ينبغي أن نعطى له الأمر مرة واحدة , فهذا يحتاج إلى تدرج إلى إن أعطيه  الجرعة التي عندي

ما السبب الذي يجعل الإنسان يترك الطاعة ويفعل المعصية  ؟ السبب هو ضعف الإيمان  الذي ينتج عنه البعد عن الله, والغفلة وخلافه فلو ضعف الإنسان إيمانيا تثقل عليه الطاعة , وتسهل عليه المعصية ,فحتى اجعله تسهل عليه الطاعة وتثقل عل المعصية ,أحتاج أن أُزيد إيمانه فالأخت التي ترغب المربية في زيادة رصيدها الايمانى, تكلمها تارة عن الجنة وما فيها ومرة ثانية تتكلم عن محبة الله عز وجل فهو سبحانه                                                                                      يحب بكل وجه ويحب لذاته وليس هذا إلا لله فما سوى الله يُحب لطاعته  ومره أخرى تتكلم عن محبة النبي صلى الله عليه وسلم, بعد هذا تتكلم عن الجنة والنار ,وما هي الأسباب التي تُدخل الجنة, والأسباب التي تدخل النار, و تتكلم عن يوم القيامة بتفاصيله تجعله كأنه رأى عين,وتستمر في هذا الأمر إلى أن تتحرك الأخت إيمانيا في الارتفاع , فعند هذا إذا نصحتها بطاعة سوف تستجيب ,وان نهتها عن معصية سوف تستجيب .

فقد تكون الأخت لديها حجه قويه, ولكن قد تفسد عرضها لأنها لم ترتب أفكارها بصورة جيدة  فتضيع منها الحجة, ولا تستطيع توصيل المعلومة.

مثال واضح :  حديث النبي صلى الله عليه وسلم مع الشاب الذي أتاه فقال يارسول الله  : ائذن لي في الزنا, فلم يعجب هذا الطلب الصحابة فزجروه وقالوا له مه مه ( اى ماذا تقول ) ولكن النبي صلى الله عليه وسلم الحكيم المربى  الرحيم قال له : أدنو فدنا منه قريبا قال فجلس ( هنا النبي صلى الله عليه وسلك أخذه خطوة خطوة أولا عرض عليه الأفكار مرتبة فرأى أن مادفعه لطلب هذا الأمر هي شهوته  ,وأراد أن يفرغ هذه الشهوة بطريق محرم , فأحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يبغض له هذا الأمر ) فقال له : أتحبه لأمك قال لا والله جعلني الله فداءك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا الناس يحبونه لأمهاتهم  ,فقال له أتحبه لأبنتك قال لا والله جعلني الله فداءك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا الناس يحبونه لبناتهم فقال : أتحبه لأختك قال لا والله جعلني الله فداءك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا الناس يحبونه لأخواتهم فقال : أتحبه لعمتك قال لا والله جعلني الله فداءك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا الناس يحبونه لعماتهم فقال : أتحبه لخالتك قال لا والله جعلني الله فداءك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا الناس يحبونه لخالتهم فقال فوضع يده عليه وقال اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء
عوفى تماما من مرض الشهوة هذا ولم يلتفت إلى تلك المعصية بعد ذلك , فقد تدرج النبي صلى الله عليه وسلم معه ولم ينهره ويزجره ليعلمنا كيف يكون الإنسان رحيما بالعصاة
 وليتعلم المربى والمربية أنهم أطباء يداوون الأمراض, فلا بد أن يداووا المرضى برحمة وحكمه ,فلو نهرت ا لطبيبة مرضاها عند العلاج وعند شكواهم من المرض, وزجرتهم ما أدت الدور الذي عليها ولما استحقت ما صرف عليها في مشوار تعلمها, وكذلك المربية فلابد من الرحمة والمسايسه والرفق واللين لتقبل الأخت منها  العلاج , ويجب على المربية أن تتحمل الغلظة منها و تصبر عليها, وتأخذها باللين فهي تشفق عليها   وتتمنى لها الصلاح , وفى نفس الوقت تحتاج إلى أجر تربيتها .

وعندما نعود إلى الحديث والى حكمة النبي صلى الله عليه وسلم في التعامل مع هذا العاصي, نجد انه لم يتركه لنهر الصحابة وزجرهم, له بل أرفق به  ,ثم بين له قبح ما كان يريد الإقدام عليه عندما قال له اترضاه لامك , فوضع أمامه أولى محارمه التي يغار عليها أشد الغيرة  ,ولا يرضى لها مثل ذلك  ,ثم تدرج معه صلى الله عليه وسلم وقال لابنتك ثم لأختك ثم لعمتك ثم لخالتك فتجلى الأمر أمامه فقبح له هذا الفعل  عندما مثل الأمر أمامه  فما باقي النساء إلا هكذا لغيره فلم يرضى لغيره  مالا يرضاه لنفسه , فهدأت نفسه واستنكرت هذا الأمر فكان ثمرة هذا دعوة من نبي الرحمة  صلى الله عليه وسلم فأصبح هذا الشاب لا يلتفت إلى هذا الأمر بعد ذلك

هذا هو استحضار الأفكار وترتيبها وهى الوسيلة الأولى من وسائل الإقناع

قال  المنصور لبعض ولده خذ عنى  خصلتين
لاتقل بغير تفكير  ... ولا تعمل من غير تدبير

هناك بعض الشباب يتعب المربى في عرض الحجة أمامهم وإقناعهم بها, فما على المربى في هذه الحالة إلا أن يعرض عليه الفكرة ومميزاتها وعيوبها ولا يطمع في إقناعه بها ,ولكنه قد يتغير بهذه الفكرة بعد يوم أو أثنين أو ثلاثة ,فلابد أن تعرف المربية الشخصية التي أمامها وتعرف الوسيلة الصائبة التي توصل إلى إقناعها بالفكرة التي تريد توصيلها إليها .

الوسيلة الثانية التي تحسن قدرة الإقناع لديه : حسن العرض للحجة
فالعبرة ليست بحشد الكلمات والألفاظ والآيات والأحاديث, ولكن قد يكون ببعض الكلمات البسيطة الواضحة والآيات والأحاديث القليلة التي توضح المعنى وتقنع السامع وتجعل لديه الرغبة في تنفيذ هذا الأمر

وقد يكون هناك إنسان فاسد يتكلم عن أمر باطل, ولكن لأنه يملك حسن العرض لباطله, فيستطيع إقناع الناس بهذا الباطل بينما آخر لديه الحق ولكن ليس لديه القدرة على الإقناع بهذا الحق فلا يستطيع إقناع الناس

ونجد أن هناك من يستطيع أن يناظر بالحق, وتكون حجته قويه واستدلالاته أيضا قويه, ولكن من يستمع من الناس العاديين يحتاج إلى إقناعه بهذه الأدلة , وهذا الحق وذلك بعرضه بأسلوب  حسن يفهمه ويتقبله ويقتنع به ,حتى يستمر على هذا الأمر فإن فعله ولم يقتنع به قد يتركه بعد فترة .

مثال  على حسن العرض  : قصة جعفر بن أبى طالب مع النجاشي فقد كان مع الصحابة الذين هاجروا إلى الحبشة فرا بدينهم, وكانت قريش لا يعجبها أمر الهجرة إلى الحبشة وفرارهم من التعذيب والتضييق إلى العيش بأمان  تحت كنف ملك الحبشة النجاشي , مما قد يقوى من شوكتهم فأرسلوا إلى ملك الحبشة عبد الله بن أبى ربيعة  وعمرو بن العاص  ببعض الهدايا المحببة إ ليه  ,واختاروا عمرو بن العاص لوجود ود قديم بينه وبين النجاشي, كما انه كان وقتها داهية من بلاد العرب فقلب بكلامه الملك على الصحابة بما ذكروه له   ,من أنهم سبوا ألهتهم وعابوا دينهم وخرجوا على قومهم ,ولكن النجاشي كان عادلا فلم يسمع منهم فقط, بل أراد أن يسمع من الصحابة أيضا حتى يستطيع الحكم  عليهم , فلو صدق كلام قريش أعطاهم لهم أو طردهم من أرضه ,وان لم يكن صحيحا فلن يمكنهم منهم فوصل هذا الكلام للصحابة , فاجتمعوا فيما بينهم للتشاور على ما  سيفعلونه , فاتفقوا على أن جعفر بن أبى طالب هو من سيتكلم عنهم ولن يقول إلا الحق ,ولكن لابد أن يحسن العرض والحجة , فجاء جعفر بن أبى طالب مع الصحابة وجمع النجاشي الأساقفة والبطاركة , لكي يستطيعوا  الحكم في هذا الأمر , فجعل المترجم يسألهم عن سبب مفارقتهم لدينهم ودخولهم في هذا الدين الجديد , فقال جعفر بن أبى طالب : ( أيها الملك ) أنظروا هنا لقد خاطبه بما يناسبه ووضعه في مكانته وأعطاه قدره , فلابد أن نخاطب الناس بأقدارها
لو أن هناك طالبا في محاضرة من المحاضرات وجد الدكتور يقول كلاما خاطئا  فليس عليه أن يخاطبه وهو متعالي  ومغتر بنفسه لأنه الذي يفهم الأمر ويعرف الخطأ, ويصف الدكتور بالجاهل الذي يخطئ بالشرع والدين , لا ليس هذا هو المطلوب فلا ينبغي عليه احتقار الآخرين ويجب عليه أن ينزلهم منازلهم حتى يقبل منه الكلام , فليبدأ معه بالبداية التي تعطيه قدره , وتؤهله لان يتقبل منه مايقول,  فإن كان أمرا قاله على عامة الطلبة ينبغي أن أصححه بأسلوب مهذب أمامهم, حتى يعلم الجميع وان كان أمرا لا يُلتفت إليه فأنبهه بيني وبينه بكل أدب وأخلاق واحترام كي يقبل منى الأمر ويصححه

نرجع إلى قصة جعفر بن أبى طالب رضي الله عنه مع النجاشي ملك الحبشة ,فقد علمنا ببداية الكلام أن نحسن البداية, ونتكلم مع كل شخص بقدره, ثم عرض عليه الكلام والحجة, بين له السوء ,ثم بين له الحق وجمال العقيدة التي تمسكوا بها فقال له : ( كنا قوما أهل جاهلية نعبد الأصنام, ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسيء الجوار , يأكل القوى منا الضعيف ,فكنا على ذلك ,حتى أتانا رسول منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه (وهى مقومات تصديقه فيما يقوله لنا ) فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ماكنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ,وأمرنا بصدق الحديث , وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ,ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة, وأمرنا أن نعبد الله وحده لانشرك به شيئا, وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام قال فعدد عليه أمور الإسلام
 قال فصدقناه ,وآمنا به واتبعناه على ماجاء به ,فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئا , وحرمنا ماحرم علينا, وأحللنا ما أحل لنا
فعدى علينا قومنا ( أي عادونا ) فعذبونا وفتنونا عن ديننا, ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله, وان نستحل ماكنا نستحله من الخبائث فلما قهرونا ( انظر هنا إلى التخاطب مع المشاعر والأحاسيس ونبل الملك الذي تتكلم معه وإن كان كافرا ففيه من الخير ما يخاطب به ) وظلمونا وشقوا علينا, وحالوا بيننا وبين ديننا , خرجنا إلى بلدك , وأخترناك على من سواك( خاطبوه بمحاسنه التي يخجل أمامها من ظلمهم خاطبوه بكلمات حسنة العرض حسنة الترتيب) ورغبنا في جوارك ورجونا ألا نظلم عندك أيها الملك  ( بدأها بأيها الملك وختمها بأيها الملك ) فقال له النجاشي : هل معك مما ما جاء به عن الله من شيء فقال له جعفر: نعم فقال له النجاشي : فأقرأه علىّ ( فماذا قرأ عليه لم يأتي بأي آية من أي سورة ولكنه اختار له آيات تناسبه كنصراني على العقيدة التي لم تتبدل  والتي سيعرف من خلالها أن كلامه حق فقرأ عليه صدر سورة مريم) قالت راويه الحديث فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته وبكت أساقفته, حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم ,ثم قال النجاشي أن هذا والله و الذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحده انطلقا فوالله لا أسلمهم إليكم أبدا  (وهو يكلم عمرو بن العاص ورفيقه  ) ولا أكادوا  (هذا الأمر استحالة أن افعله ولو احد فتني عليه لن افعله ) قالت أم سلمه فلما خرج من عنده قال عمرو بن العاص وهو يريد أن يكيد مكيدة أخرى هذا حسن عرض أن الذي إمامك ليس فقط يقتنع بفكرتي, بل ويبكى من كلامي من شدة التأثر و من حسن العرض وحسن الترتيب عمرو بن العاص ليس سهلا فقال والله لأنبأنهم غدا عيبهم ,ثم استأصل به خضرائهم( بمعنى هعمل عمل فيهم اجعلهم يقتلوهم أو يردوهم  إليه) فقال له عبد الله بن أبى ربيعه وكان اتقى الرجلين فعنده تقوى قال لا تفعل فان لهم أرحاما (أي بيننا وبينهم نسب ) قال وان كان قد خالفونا قال والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى ابن مريم عبد, فإذا كانت النصارى تقول أن عيسى اله سأقول أنهم يقولون انه عبد, قالت ثم غدا عليه الغد جاء له مرة أخرى في الشبهة الثانية والتهمه الثانية التي ألقيت عليه قال له إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولا عظيما فأرسل إليهم فاسألهم عما يقولون فيه قالت فأرسل إليهم يسألهم عنه قالت ولم ينزل بنا مثله (بلاء مثله )فأجتمع القوم ,وقالوا لبعضهم لبعض ماذا تقولون في عيسى إذا سألكم عنه قالوا نقول والله فيه ما قال الله كائن ماكان (لن نكذب ولا نداهن ولا نخبئ ولا نجامل سنقول الحق ولكن سنعرضه عرض حسن كائن في ذلك ما هو كائن  ويحدث ما يحدث ) فلما دخلوا عليه ماذا تقولون في عيسى ابن مريم فقال له جعفر بن أبى طالب نقول فيه الذي جاء به نبينا ,هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول ,فضرب النجاشي يده على الأرض فاخذ منها عودا فقال ما عدى (أي ما تخطى ) عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود( بمعنى أن الذي تقوله هو عين الصواب ) قال فتناحرت بطارقته حوله حين قال ما قال (أي همهموا بكلام غير واضح المعالم إستياءا من موافقته على هذا الكلام ورضاءه بهذه الحجة ) قال  وإن نخرتم ( أي وإن لم يعجبكم هذا الكلام ) والله أذهبوا فانتم سيوم بأرضي ( أي آمنون ) من سبكم غرم ثم من سبكم غرم فما أحب إلي أن لي دبرا(جبلا ) ذهبا , ردوا عليهم هداياهم , فلا حاجة لنا بها , فوالله ما أخذ الله منا الرشوة حين رد على ملكي , فآخذ الرشوة فيه , وما أطاع الناس في فأطيعهم في ، قالت فخرجا من عنده مقبوحين مردودين عليهما ماجاءا به , وأقمنا عنده في خير دار مع خير جار )
هذا المثال طويلا ولكن يوضح أن ترتيب الأفكار وحسن العرض وانتقاء الألفاظ من أهم الأساليب في الإقناع

بعد ذلك عندنا من الأساليب نقد الدوافع أو إثارتها  :
بمعنى أن الأفعال تكون ناتجة عن دوافع داخليه لهذا الفعل مثل أن  ينجح الطالب لو كان عنده رغبة داخلية في النجاح , ولو كانت المربية تعامل فتاة عندها عيب معين ,عليها أن تبحث عن الدافع الذي دفعها لعمل هذا الفعل الخاطئ , وعليها أن تعالج الدافع وليس الفعل ,فلو عالجت الدافع وهو أصل الفعل الخاطئ سيزول الفعل الخاطئ تباعا

فمثلا الكبر ينشىء عنه أمور كثيرة  وتصرفات خاطئة , مثل عدم احترامها للناس واهتمامها بالسلام عليهم, وعدم النظر إليهم أثناءه ويكون سلامها بأطراف أصابعها, ولا تتواضع معهم بأي تصرف, وإذا أخطأت فيها أي أخت, ولو كان خطأ بسيطا لا يمر بسهولة , عندها احتقار للناس ودائمة الكلام عن نفسها وعن أسرتها , إذا فهذا الكبر مسألة داخليه بالنفس نتج عنها هذه الفروع , فعلى الإنسان أن يعرف دافع هذه الفروع ويعالجه من البداية ويرتاح, وإلا لو عالجت فرع من فروع المشكلة لبقى الفرع الآخر ,ولكن إن عالجت الدافع ستعالج كل الفروع تباعا بكل سهوله ,ولن تحتاج إلى عرض الدليل والحجة في كل فرع .
مثال : موقف النبي صلى الله عليه وسلم مع الشاب الذي طلب منه الترخيص له في الزنا فمنشئ هذا الفعل هو الشهوة
فعالج دافعه وعلمه انه ليس اى إنسان عنده شهوة يصرفها كما يحلو له فبين له مساوئ الأمر, ووضح له انه يجب أن تصرف تبعا لشرع الله في الأوجه التي أحلها الله عز وجل ولا يطلب ماحرم الله تبارك وتعالى ويشنع في قلبه ويبغض إليه ويبن له فداحة الفعل الذي يطلبه فوضح له انه إذا صرف شهوته في أي امرأة ستكون إما زوجه أو أم أو أخت أو عمة أو خاله ,وطالما انه لايرضاه لنفسه فلا يرضاه للآخرين , فقد عالج رسول الله صلى الله عليه وسلم منشأ الفعل عنده فبسهوله ترك هذا الفعل

إذا نقض الدوافع أو إثارتها فماذا تعنى أو إثارتها ؟ لو أن هناك فعلا وأريد أن تفعله البنت, فعلى أن أقوى الرغبة أو أدفعها وأميلها لهذا الفعل وقتها ستفعل هذا الأمر بطريقه سهلة
فمثلا لو أرادت المربية أن تقرأ البنت قرآن أو تصلى نوافل أو تبعد عن الصحبة الغير صالحة أو تبر والديها أو أن تفعل أمورا حسنة ,فمن الممكن مثلا أن أقوى رغبتها الداخلية في رضي الله والجنة وأقوى الدافع الداخلي في الفرار من عقاب الله عز وجل , وأنميه إلى الدرجة المطلوبة, وقتها اطلب فعل الأوامر الشرعية واجتناب النواهي الشرعية ,فوقتها يكون الامتثال سهلا جدا , وقتها قد لا أكون بحاجه حتى أن أمر فقط, يمكن أن تؤثر بها مطوية أعطيها لها قد تتكلم عن قيام الليل, فتقوم به بمجرد قراءتها.

فالنبي صلى الله عليه وسلم عندما ذهب هو وبلال في صلاة العيد إلى النساء بعدما خطب في الرجال فقال لهن :
يامعشر النساء تصدقن فإني رايتكن أكثر أهل النار فقد أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم بان الصدقة حاجب وحاجز من النار بالنسبة لهم, وهى سبب النجاة من هذا الأمر لكثرة المخالفات التي تقع فيها كثير من النساء من كثرة الكلام والوقوع في الغيبة والنميمة وما إلى ذلك فأسرعن إلى الصدقة فكانت المرأة تنزع قرطها وذهبها وتلقيها في حجر بلال رضي الله عنه .
إذا عندما أجد فعلا سيئا في المتربية ابحث عن أصله ونزعه أو اعالجة وأبين له أن هذا الأصل الذي نتج عنه الخطأ خطأ اكبر وأعالجه , وعندما أجد فعلا أريد أن اغرسه في المتربية  انظر إلى هذا الفعل وأعرف الأمر الذي يترتب عليه هذا الفعل واغرسه فيه
فلو أردت أن يتصدق إنسانا بسخاء, فمن الممكن أن آخذه معي لنعطى أشياءا لفقراء أو في أي نواحي الصدقة ,وقد أجعله يحمل معي الأشياء بحجة ثقلها مثلا, فهذه حيلة حتى ارغبه بالصدقة ولا يكون طلبي منه طلبا صريحا, فقد يعتقد اننى أحرجه, وقد يتصدق بالقليل , فلو فعلت معه هذه الحيلة ورأى الناس وحالهم وفقرهم, وقارن بين ما هو فيه من نعمة وما هم فيه من فقر, فيدفعه هذا إلى التصدق عليهم بالكثير بدلا من القليل وبهذا يكون نفع هذا الأمر على الناس والمتصدق وعلى من قام بدفعه لفعل هذا الأمر .

الوسيلة التالية والتي يكون بها مقنعا بكلامه  الجواب الحاضر المفحم الحاضر أي يكون عنده سرعة بديهة  والمفحم  مسكت هو جواب يسكت بعده اى جدال
مثلا : قال اليهود لعلى بن أبى طالب بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بقرابة العشرين عاما بعدما حدث قتال وفتن
قال مازالت آنية نبيكم لم تكسر (أي مازالت أدواته موجودة لم تبلى اى لم يمر عليه الكثير حتى تتقاتلوا وهو نوع من الشماتة والتبكيت لما حدث بينهم ) فرد عليه على بن أبى طالب وقال لهم أفضل منكم بعد ما تجاوزتم البحر ومازالت ارجلكم مبتلة بماء البحر (اى بعد نجاتكم من البحر مباشرة ) قلتم لموسى أجعل لنا إلها كما لهم آلهة فأسكتهم .

أيضا احد الخوارج كان على بن أبى طالب يؤم الناس بالفجر فعلى صوت هذا الخارجي  بآية ( أفحكم الجاهلية يبغون )أو آية شبيه بذلك بمعنى انك حكمت الناس وكلام هكذا فقال على بن أبى طالب كلمة حق أريد بها باطل

أيضا من الأجوبة المفحمة التي تذكر من باب الطرائف
أن جرير بن الفرزدق وهو من الشعراء المشهرين عنده حسن بيان فكان معتزا بنفسه مفتخرا بها يشعر بأن أي شخص يتمنى أن ينتسب له فرأى ولد شكله جميل وعنده بيان فأحب أن يشعر بالفخر فقال له يا بني اترضانى لك أبا فكان متوقعا أن يتمنى فقال له الولد لا ولكنى أرتضيك لي أما, فأسكته وأحرجه فالجواب الحاضر الذي يكون به سرعة بديهة ويكون مفعم  يستطيع إن يوصل به فكره يقنع بها من أمامه

ويمكن أن يحاورني شخص خبيث لا ارغب في إقناعه فقد أظهر عداوته للدين ولكن من يسم الكلام يحتاج إلى أن يفهم ويقتنع

مثال : مناظرة المهندس عبد المنعم الشحات مع الدكتور الليبرالي عمرو حمزاوى قال المهندس  انه لا يرغب في ذكر أسماء ,ولكن هناك كاتب ليبرالي شهير قال في مقال كذا وقال في مقال آخر كذا وفى ثالث كذا وكل آراءه مختلفة ومتناقضة في الثلاث مقالات فقال له الدكتور هذا الكلام غير واضح وغير مفهوم , فعندها ذكر انه هو نفسه الذي قال الثلاث آراء المتناقضة فأسكته وهذا الأمر يجعل حتى أنصاره يفكرون فيه وفى آراءه المتناقضة وهذا الرد كان من الاجوبه الحاضرة المفحمة.

فسرعة البديهة تجعل قبول الحجة أسهل من الطرف الآخر وهذا الأمر بالتدرج فالتدرج وسيلة هامة من وسائل التربية
فبعض المربين يأخذهم الحماسة فيريد الانتقال بالمتربي نقله سريعة وينقل له كل قناعاته في جلسة واحدة فهذا خطأ فمن هذا الإنسان الذي يتغير بهذه الدرجة , بل لابد من التدريج فعند تغير قناعاته بدرجة, ننتقل إلى الدرجة التي بعدها ,وهناك أمور تأتى بعد أمور فقبل إن أتكلم عن النقاب أتكلم عن الصلاة فعندما تصلى البنت يسهل عليها لبس النقاب , وإذا كانت البنت لا تصوم رمضان فلا أكلمها عن صيام النوافل بل عن صيام رمضان أولا  , وإذا كانت لا تؤدى الزكاة فلا اكلمها عن الصدقة بل الزكاة أولا
 إذا نأمر بالأهم فالمهم فالتدريج أمر في غاية الأهمية لنقل القناعات
مثل أن أنقل للبنت الأول قبح التبرج والتعري , ثم أوضح لها قيمة الستر فتبدأ في تغطية نفسها شيئا فشيئا  ثم ادخل في أمر تالي يوضح الالتزام بالزى الشرعي بصورة اكبر وهكذا يكون هناك تدرج
مثال آخر فتاه تعيش في وسط به بذخ وسفر ورحلات ,ودائما ما تبحث عن الموضة وأجود أنواع الماكياج ,فينبغي التدرج معها فلا ندعوها إلى النقاب أولا , ولكن إلى التدرج حسب تقبلها للأمر , فيكون الأمر رويدا رويدا, فنجعلها بداية تصلى وعندما تصلى أتكلم معها عن الجنة واليوم الآخر, وأتكلم معها عن معنى السعادة الحقيقة ,وأين تجدها وكيف تراها ونعلمها أن هذه السعادة لا تكون إلا بطاعة الله ,فكم من ملك عنده كل شيء ولا يشعر بالسعادة وراحة البال ,ويمكن لإنسان مسجون في سجونه أن يشعر بها إذا كان طائعا لله خادما لدينه , انقل لها واعلمها هذه المعاني ثم أتدرج معها من أعلى إلى أعلى

*نقض الأفكار المضادة :
إذا كان هناك إنسان مقتنع بفكرة معينة , وهذه الفكرة خاطئة , فينبغي  أن أبين له أن فكرته هذه خطأ ,فعلى أساسها يترك الفروع التي نتجت عن هذه الفكرة فمثلا لو كان هناك إنسان يعتقد أنه طالما أنه من عائلة كبيرة محترمة إذا هو أيضا محترم ومبجل وله مكانه كبير  فعلى أن أبين له أن فكرته هذه خطأ وأريد أن أبين له أن الناس  ليست بنسبها ولكن بأعمالهم فالنسب وحده لايكفى
مثال : أفتخر أحد خلفاء بني أمية في يوم من الأيام بأنه من قريش فقال إن الله حبى قريشا بثلاث فقال له {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ }الشعراء214 قال ونحن عشيرته الأقربون
وقال تعالى وإنه {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ }الزخرف44) قال ونحن قومه
قال تعالى إِيلَافِ قُرَيْشٍ{1} إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ{2} ونحن قريش , فأحب رجل أن يعطيه درس قال فأجابه رجل من الأنصار فقال على رسلك ( اى على مهلك ) فإن الله تعالى يقول ({وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ }الأنعام66) وانتم قومه
قال تعالى {وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ }الزخرف57وأنتم قومه
وقال تعالى  {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً }الفرقان30 وانتم قومه ثلاثة بثلاثة ولو زدتنا لأزدناك .

 *ومن الأمور المعينة على الإقناع إتقان الصمت والاستماع : فمن صفات المربى الناجح أن يكون مستمعا جيدا لمن يسمعه ,حتى يستطيع أن يحدد فكرته جيدا فيستطيع الرد عليه بما يناسبها بدقه فلا يكون رده مخالفا لما يقصده فيكرر لك لا أقصد لا اقصد, ولكن على المربى أن يسمعه بتريث وهدوء ,وإن التبس عليه أمرا يسأله, حتى يكون كلامه واضحا بينا وبعد ذلك يوضح له محتويات حديثة بالنقاط  يقوم بالرد على نقطة نقطة ويصححها.
أحيانا يكون الإنسان في حاجة لم يسمعه فقط ,فكثير من المرضى النفسيين نصف علاجه يكون علاجا نفسيا إن لم يكن أكثر, وهذا ما اقره اغلب الأطباء النفسيين , فيكون المريض  محتاجا لمن يرفع معنوياته ويرغبه في الحياة فتقوى عنده هذه الرغبة فتزداد مناعته فتؤد                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                   ى لدفع الأمراض ومقامتها ,ومن اجل هذا نجد أن الأطباء يجدوا مشكله كبيرة في إنقاذ المنتحرين الذين يعانون من يأس في الحياة, وذلك لعدم رغبتهم في النجاة  بعكس من يحدث له اى صورة من صور الانتحار ولكن عنده رغبه في الحياة يستجيب بسهوله اكبر للعلاج .

كثير من المرضى يحتاج إلى من يكلمه ويحنو عليه ويواسيه ويصبره ويرغبه ويفهمه ويعرفه رحمة الله وسعة فضله وأنه أفضل من آخرين ويعطى له أمثله ونماذج مختلفة أصعب حالا منه, فيسهل عليه الأمر ويتجاوزه ويزيد عنده الأمل والتفاؤل فإذا كان حزينا يسعد ,وان كان غضبانا يفرغ مافيه من ضغط, فالفهم الجيد يؤدى إلى الرد الصائب الذي يحب سماعه ويعطيه به الأمل ويهون عليه الأمر وينصحه بالصبر , فلو كان يحتاج إلى وظيفة سيعينه الأسلوب على الصبر  ,وان كان مريضا فنضرب له أمثلة من مرضى مثله أو أشد مرضا, فيقتنع بأنه ليس وحده بهذا المرض وان هذا ليس نهاية العالم فيتعايش مع مشكلته

إذا أسمع منه لأفرغ  هذه الشحنة التي بداخله ,وهذا الأمر يحبه الإنسان فهو يحب من يسمعه ويهتم لأمره فينصحه ويقول له راية بصورة طيبة  فيتقبل منه رأيه بسهولة
مثال
روى ابن إسحاق بسنده عن كعب القرظي قال‏: حُدثت أن عتبة بن ربيعة، وكان سيدًا، قال يومًا -وهو في نادي قريش، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس في المسجد وحده‏-:‏ يا معشر قريش، ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورًا لعله يقبل بعضها، فنعطيه أيها شاء ويكف عنا‏؟‏ وذلك حين أسلم حمزة -رضي الله عنه- ورأوا أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكثرون ويزيدون، فقالوا‏:‏ بلى، يا أبا الوليد، قُمْ إليه، فكلَّمه، فقام إليه عُتبة،حتى جلسَ إلى رسولِ اللهِ-صلى الله عليه وسلم-،فقال‏:‏ يا ابن أخي، إنك منا حيث قد علمت من السِّطَةِ -أي المنزلة- في العشيرة، والمكان في النَّسبِ، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرقت به جماعتهم،وسفهت به أحلامهم،وعبت به آلهتهم ودينهم،وكفرت به من مضى من آبائهم،فاسمع مني أعرض عليك أمُورًا تنظر فيها؛ لعلك تقبل منها بعضها‏.‏ قال‏:‏ فقال رسول -صلى الله عليه وسلم‏-:‏‏(‏قل يا أبا الوليد أسمع‏)‏‏.‏
قال‏:‏يا ابن أخي،إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرَنا مالًا، وإنْ كنتَ تريدُ به شَرَفًا سوَّدناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك، وإنْ كنت تريدُ به مُلكًا ملكناك علينا، وإنْ كان هذا الذي يأتيك رِئْيًا-أي شيطاناً- تراه لا تستطيع ردَّه عن نفسك طلبنا لك الطبَّ، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابعُ على الرجل حتى يُداوى منه -أو كما قال له- حتى إذا فرغ عُتبة ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستمعُ منه,قال‏:‏‏(‏أقد فرغت يا أبا الوليد‏؟‏‏)‏ قال‏:‏ نعم، قال‏:‏ ‏(‏فاسمع مني‏)‏، قال‏:‏أفعل، فقال‏:‏ (‏بسم الله الرحمن الرحيم* حم* تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ* كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ* بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ* وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ)‏ فصلت‏:‏1‏:‏ 5‏‏‏.‏ ثم مضى رسول الله فيها، يقرؤها عليه‏.‏ فلما سمعها منه عتبة أنصت له، وألقى يديه خلف ظهره مُعتمداً عليهما، يسمع منه، ثم انتهى رسول الله-صلى الله عليه وسلم-إلى السجدة منها فسجد،ثم قال‏:‏(‏قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك‏)‏‏.‏
فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض‏:‏ نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به‏.‏ فلما جلس إليهم قالوا‏:‏ ما وراءك يا أبا الوليد‏؟‏ قال‏:‏ ورائي أني سمعت قولًا والله ما سمعت مثله قط! والله ما هو بالشعر ولا بالسحر، ولا بالكهانة، يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها بي، وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكُهُ مُلككم، وعزُّهُ عزُّكم، وكنتم أسعدَ الناس به، قالوا‏:‏ سَحَرَكَ –والله- يا أبا الوليدِ بلسانه! قال‏:‏ هذا رأيي فيه، فاصنعُوا ما بدا لكم‏
فنتعلم من هذه القصة الرائعة أن نكون مستمعين جيدين ونصبر على السماع ونمتص الغضب ونفهم جيدا ثم يكون الرد الصائب الرادع فيكون التوفيق بإذن الله

فعليك أختي المربية أن تكوني مستمعة جيده وان تصبري وتمتصي غضبها وتحتوى ما عندها  خاصة إذا كانت في سن المراهقة, سواء كانت المراهقة المبتدئة أو المتوسطة أو المتأخرة, فلكل مرحلة خصائصها ومتطلباتها ومشاكلها  النفسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية  , فتفكيرها يكون مشوشا وتكون بحاجة إلى من تبصرها  وتعطيها رأيها بعد أن تسمعها استماعا جيدا , دون ملل أو كلل ولذلك المربية تحتاج إلى صبر كبير

فمن فوائد الصمت والاستماع الجيد تفريغ ماعند  المتربي من شحنات أو أفكار خاطئة وتصحيحها بصور سليمة وبفهم ووعى

هكذا نكون قد انتهينا من الصفة الثالثة من مقومات الإتقان


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق