>

الأحد، 19 يونيو 2011

أثار الذنوب وأسباب المغفرة

أثار الذنوب وأسباب المغفرة

الذنوب لها عواقب وخيمة ونتائج أليمة في الدنيا والآخرة فهي تزيل النعم وتحل النقم ، فما زالت عن العبد نعمة إلا بذنب ولا حلت به نقمة إلا بذنب ، وأي إنسان يريد أن يتفكر في هذا فسيرى ذلك كثيرا في حياته لذلك قال المولى سبحانه وتعالى  }وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ{ وقال تعالى }َلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم { 
وكذلك قال علي بن أبى طالب (ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة)
فالله سبحانه وتعالى اخبرنا كما ذكر في الآيات السابقة أن الله سبحانه وتعالى لا يغير نعمة أنعمها على أحد كان إلا بذنوبه
وأفضل النعم هي نعمة الإسلام ونعمة الإيمان ونعمة الالتزام ، فإذا شعر أي منا أن التزامه فيه نقص ما نقص في أداء الصلوات ، في الأدب مع الله أو مع النبي أو مع الزوج أو مع الزوجة أو نقص في حفظ لسانه وجوارحه - بصره وأذنه وفرجه - فان لم يكن هناك نقص في ذلك  فهذا هو الذي انعم الله عز وجل عليه
وإذا ابتلى الإنسان بذنب فيغير الله هذه الطاعة إلي معصية ويغير الشكر بالكفر ويغير أسباب الرضا بأسباب السخط
فالقاعدة (إن العبد إذا غَيََّر غُير ) مصداقا لقوله }جَزَاءً وِفَاقًا {
فالذنوب سبب لهوان العبد على ربه وإذا هان العبد على الله لم يكرمه أحد والله عز وجل هو الذي اخبرنا بذلك فقال :} وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ{ وأكرم الخلق عند الله هو التقي النقي هو أقرب الناس منزلة إلي الله سبحانه الطيع لله تعالى
لذلك فإن منزلتنا عند الله ليست بشهرة احد وليست بارتقاء احد على منبر أو ارتقاء أحد بأن يكون محفظاً للقرآن أو مسئول عن مسجد أو داعية إلي الله أو أن يكون مشهور بين الناس بمركز اجتماعي لا بل على قدر طاعة العبد الحقيقية تكون منزلته الحقيقية عند الله
 لذلك فهناك أناس لا يأبه لهم ومنزلتهم عند الله عظيمة ، فأمثال هؤلاء إذا رفعوا أيديهم إليه وسألوه سبحانه لأجابهم ولكن أصحاب الشهرة فلا يلزم ذلك ...... أصحاب الهيئة الاجتماعية لا يلزم ذلك....... الذين يعلم عنهم الخير لا يلزم ذلك ......
فهناك من العباد من إذا خلا بنفسه كانت هذه الخلوة داعية له لمعصية الله فلا أحد يعلم ما الذي يحدث بين العبد وربه في السر ، وهناك من إذا انفرد بخلوة لا نجد منه إلا دمعة تنزل على خده وتسقط على مصلاه ثم يسجد ويدعو ويبكى ، ربما لا يعرفه أحد ولكنه عند ربه له شأن عظيم فسبحان الله هذا هو العبد الطيع الأقرب إلي الله تعالى 
و لا يلزم أن يكون الشهير بعيداً ولا أن يكون الفقير قريباً أو المغمور قريباً لا بل ما بين العبد وبين ربه أولا ثم بعد ذلك تأتى المنازل والمراتب فعلى قدر طاعة العبد لربه تأتى المنزلة عند الله عز وجل .
والمصيبة الكبرى -التي نسأل الله ألا نكون من أهلها يوما ما هي " أن العبد إذا عصى الله فهان عند الله أوجب ذلك القطيعة بين العبد وبين مولاه وإذا أوجب الله القطيعة انقطعت عن العبد أسباب الخير واتصلت به أسباب الشر فأي فلاح بعد ذلك  وأي رجاء بعد ذلك  وأي عيش لمن انقطعت عنه أسباب العيش  و أي حياة لمن انقطع عنه الماء  و أي حياة لمن انقطع عنه الدواء  وأي حياة لمن انقطع عن الهواء والشمس .
فالذي بين العبد ومولاه اكبر وأكثر من الماء والشمس والهواء لأن مولانا لا غنى لنا عنه ولا نستطيع أن نكل أنفسنا إلى أنفسنا بل نكلها لله عز وجل
فالذنوب تستدعى نسيان الرب لعبده وتركه وتخليته بينه وبين نفسه وشيطانه
تصوروا معي لو أن الله نسي العبد من باب }نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ{ وخلا بينه وبين الشيطان فعدوي أصبحت أنا وهو لا أحد يحميني ولا أحد يساعدني وأنا في الحقيقة عبد ضعيف ، عبد غافل......
هناك يأتي الهلاك الذي لا يرجى معه نجاة لذلك الله عز وجل يقول }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {
فالله سبحانه أمر بتقواه ونهى أن يتشبه عباده المؤمنون بما نسيهم بترك تقواه واخبر سبحانه وتعالى أن عاقبة من ترك التقوى أن عاقبه بأن أنساه نفسه أنساه مصالحها وما ينجيها من عذابه لذلك إذا نظرنا إلى العصاه نجدهم أكثر الناس إهمالاً في مصالح أنفسهم فرطوا في مصالح الدين والدنيا ليس هذا وحسب بل أمورهم الدنيوية تتعصر عليهم فلا يتجه إلي أمر إلا يجده مغلقاً أو متعسراً فالله عز وجل قال }وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا{
فأي إنسان عاقل يجد الراحة والسعادة والطمأنينة والتيسير في الطاعة ويجد الشر والشقاوة وسواد القلب  في المعصية نعم كل هذا وأكثر يجده في المعصية.
قال ابن مسعود رضي الله عنه : " إن للحسنة ضياء في الوجه ونور في القلب وسعة في الرزق وقوة في البدن ومحبة في قلوب الخلق وان للسيئة سواد في الوجه وظلمةً في القلب ووهناً في البدن ونقصاً في الرزق وبغضةً في قلوب الخلق ".
فلننظر إلي أنفسنا!!!!! هل في وجوهنا ضياء - والمقصود ليس بياض فالإنسان قد يكون ابيض بل ابيض مشرب بحمرة وجهه كوجوه الأجانب ولكن ليس فيه ضياء- هل كل منا في قلبه نور ؟ هل كل منا يجد محبة بين الناس ؟ أم نجد سواد في الوجه وظلمة في القلب ووهنا في البدن ونقصا في الرزق وبغضة في قلوب الخلق ؟
فالذنوب تجلب للعبد أضرار كثيرة في قلبه وبدنه وماله وكل حياته لذلك ليس في الدنيا شر ولا داء إلا سببه الذنوب والمعاصي .
لذلك يجب على كل مسلم –يحب الله ورسوله- الحذر أشد الحذر من الذنوب والمعاصي وأن يتوب لله عز وجل من كل ذنب وخطيئة وأن ينيب إلي ربه ومولاه لينال السعادة والطمأنينة وليتحقق له الفلاح في الدنيا والآخرة كما قال تعالى }وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {فمن أراد أن يفلح فلابد أن يتوب ، وقال تعالى  }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ{
والنبي عليه الصلاة والسلام - الذي قالت له عائشة ألم يغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ يقول «يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللهِ، فَإِنِّي أَتُوبُ، فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ، مَرَّةٍ»
 شروط التوبة هي :-
1/ الإقلاع عن المعصية
2/ الندم على فعل المعصية
3/ العزم على عدم العودة إليها أبدا
   فأي إنسان لو فقد أحد هذه الثلاثة لن تصح توبته وإذا كانت التوبة متعلقة بآدمي كأن يكون أوذي في عرضه أو أحد اخذ منه مال أو أحد اغتابه فلابد أن يبرأ من حق صاحبها
فأي إنسان لو أراد أن ينظر في حياته الدنيا وما فعله من ذنوب بينه وبين ربه فلابد له أن يتوب ولابد له أن يعجل بالتوبة ولا يسوف فيها بل لابد له أن يبادر ويسارع لماذا؟!
لأننا لا ندرى هل سنعيش بعد لحظة هل سنحيا إلي غدٍ أو بعد غدٍ مع إننا جميعا نؤمل في حياة طويلة كثير من الناس يقول «أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ، إِلَى السَّبْعِينَ ) أنا ما زلت في العشرينات فما زال هناك وقت طويل
قال تعالى (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ)
وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم «إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ العَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ» أي ما لم يصل إلي النهاية .
لذلك الواجب على أي إنسان عاقل أن يبادر إلي التوبة قبل أن يحال بينه وبينها ولا يجوز تأخير التوبة في أي حال من الأحوال لأن تأخيرها في حد ذاته معصية
وفى الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في صلاته «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي، وَجَهْلِي، وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جَدِّي، وَهَزْلِي، وَخَطَئِي، وَعَمْدِي، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي»
«اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ , وَمَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ , وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنْتَ إِلَهِي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ»
وفي حديث آخر  (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ دِقَّهُ وَجِلَّهُ وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ وَعَلانِيَتَهُ وَسِرَّهُ)
فهذا التعميم في الدعاء لتأتى التوبة على ما علمه العبد من ذنوبه وما لم يعلمه والله عز وجل يقول }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ{
 لذلك فإن ابن القيم عندما ينصح بالتوبة يقول : النصح في التوبة يتضمن ثلاثة أشياء:-
1/ تعميم جميع الذنوب واستدراكها بها بحيث لا تدع ذنب إلا تناولته .
2/ إجماع العزم والصدق بكليته عليها بحيث لا يبقى عنده تردد ولا تلون وانتظار .
3/ تخليصها من الشوائب والعلل القادحة في إخلاصها ووقوعها لمحض الخوف من الله وخشيته والرغبة فيما لديه والرهبة مما عنده .
هناك من يتوب لحفظ جاهه وحرمته ومنصبه ورياسته أو لحفظ قوته وماله أو استدعاء مدح الناس والهرب من ذمهم أو لكي لا يتسلط عليه السفهاء أو لإفلاسه وعجزه ونحو ذلك من العلل التي تقدح في صحة التوبة وخلوصها لله عز وجل
فهكذا قال ابن القيم
التوبة دائما تكون مقرونة بالاستغفار لقوله تعالى }وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ{
وقول هود لقومه }وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا{
وأيضا قول صالح لقومه }هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ{
وقول شعيب عليهم جميعا السلام }وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ{
وهذا كله يدل على عظم التلازم بين الاستغفار والتوبة وان أي إنسان يحتاج إليهما ليتوقى الذنوب وشرورها
فالذنب * إما ذنب  قد مضى فالاستغفار منه طلب لوقاية شره * وإما ذنب أخاف من وقوعه فالتوبة من هذا الذنب هي أن اعزم على ألا افعله أبدا مهما كان
والمذنب كمن ركب طريقا يؤدى إلي الهلاك وفي نفس الوقت لا يوصل إلي المقصود هذا هو حال المذنب .
يجب على الإنسان أن ينتبه إلي نفسه ، هل أنا تبت الآن من ذنبي أم لا ؟ هل أنا أدعو الله ليل نهار أن يتوب على أم لا ؟
في سنن الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول( قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً "
فلابد للعبد أن يدعوا الله عز وجل مع رجائه فمن أعظم أسباب المغفرة :-
     *  أن العبد إذا أذنب ذنباً لن يرجى مغفرته من غير ربه ويعلم أنه لا يغفر الذنوب إلا الله وأن العبد لابد أن يستغفر حتى ولو بلغت الذنوب من كثرتها عنان السماء فالله يغفرها بمجرد أن يطلب العبد من ربه المغفرة
     ونجد أيضا من أسباب المغفرة *التـوحيد وهو السبب الأعظم فمن فقده فقد المغفرة ومن أتى به فقد أتى بأعظم أسباب المغفرة ومن هنا تأتى أهمية تعلم التوحيد والاهتمام به لأن} إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ {
فمن جاء يوم القيامة موحداً فقد جاء بأعظم أسباب المغفرة والدليل هذا الحديث السابق
كما نجد أن المستغفر لا يجنى إلا أجراً عظيماً وثماراً كثيرة وهذا ليس في الدنيا فقط بل في الدنيا و الآخرة لا يحصيها إلا الله
 قال تعالى }وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا{
يا رب يا رب اغفر لنا اللهم اغفر لنا
 وقال تعالى} وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ{
وقال تعالى }وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ {
وقال تعالى عن نوح عليه السلام (   فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا *يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا )
كل هذه الفوائد من الاستغفار وكل هذه الثمرات من الاستغفار
إذاً أين أورادنا اليومية من الاستغفار ؟؟؟؟؟؟؟؟
مطلوب ورد يومي من الاستغفار ورد يومي من القران ورد يومي من الدعوة  من العلم  من طاعة الزوج من كذا وكذا من أشيــاء كثيرة
لذلك الدنيا دار ابتلاء
جاء في الأثر عن الحسن البصري رحمه الله  " شكا رجلٌ إلى الحسن البصري رحمه الله الجدوبةَ، فقال له: استغفر الله، وشكا إليه آخر الفقر، فقال له: استغفر الله، وقال له آخر: ادع الله أن يرزقني ولداً، فقال له: استغفر الله، وشكا إليه آخر جفاف بستانه، فقال له: استغفر الله، فقلنا له في ذلك؟ فقال: ما قلت من عندي شيئاً، إنَّ الله تعالى يقول في سورة نوح: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنَينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَكُمْ أَنْهَارَا} "
أي أيها الناس إذا تبتم إلي الله واستغفرتموه  كانت النتيجة أن يكثر الرزق عليكم وأن يسقيكم من بركات السماء وأن ينبت لكم الزرع ويدر لكم الضرع ويمدكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات فيها من أنواع الثمرات بينها أنهار جارية ولا ينال كل هذه الخيرات العظيمة إلا المستغفرون .
وفى حديث عبد الله بن بسر رضي الله عنه في سنن ابن ماجه وصححه الشيخ الألباني رحمه الله  عن (عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُسْرٍ قال : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ فِي صَحِيفَتِهِ اسْتِغْفَارًا كَثِيرًا»)
وفى الحديث الذي رواه الضياء في المختار وحسنه الشيخ الألباني (عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ تَسُرَّهُ صَحِيفَتُهُ فَلْيُكْثِرْ فِيهَا مِنَ الِاسْتِغْفَارِ»)
وكما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال: أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفرت له ذنوبه وإن كان فارا من الزحف" حديث في سنن أبى داود والترمذي
إذا لابد أن يكون هناك استغفار ولكن لا يكون هناك إصرار على المعصية ، فالعبد إذا قال استغفر الله وهو غياب أو نمام أو صاحب بهتان أو حاقد أو كثير الكلام فيما لا يعنيه بالشر والزور غير مقلع عن ذنبه (لم يتب بعد ) فهو كاذب في قوله
فاى إنسان عاقل يتوب من ذنبه ثم يستغفر الله سبحانه وتعالى
 ونجد أن أهل العلم يقولون (من قال استغفر الله وأتوب إليه وهو مصر على الذنب بقلبه فهذا كاذب في قوله وعندما يقول وأتوب إليه هو غير تائب أصلا فالتوبة لا تتحقق مع الإصرار على الذنب وإما أن يقول ذلك وهو مقلع بقلبه وعزمه ونيته عن المعصية فيجوز للعبد أن يقول وأتوب إلى الله لأنه يعاهد ربه على ألا يعود إلي المعصية أبدا
وسبحان الله العبد كلما اخطأ استغفر وكلما أذنب تاب وإن تكرر الذنب والتوبة ، لما في الحديث الشهير في البخاري ومسلم (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: "أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَقَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي, فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبِّي اغْفِرْ لِي ذَنْبِي, فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ, اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ")
فهذا العبد توبته مقبوله وان تكرر الذنب لماذا؟ لأنه حتى ولو كرر العبد التوبة مستوفيا شروطها المعروفة قبلت منه أما الإنسان إذا استغفر بدون توبة فلا يستلزم ذلك المغفرة بل هو فقط  سبب من أسبابها ولا ينبغي للعبد أن يقنط من رحمة الله وإن عظمت الذنوب وكثرت وتنوعت فإن باب التوبة والمغفرة والرحمة واســع ، فالله عز وجل يقول }قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {
ويقول سبحانه} أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ{
ويقول }وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا{
ويقول }إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا{
حتى في النصارى} لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ  {
فالمقصود أن العبد لابد أن ينشغل بالاستغفار وإمام المرسلين النبي صلى الله عليه وسلم كان منشغلاً بالاستغفار كان منشغلاً بالصلاة وسائر العبادات وهو من هو ؟  هو الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر كما في الحديث الشهير حديث عائشة رضي الله عنها (قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى قَامَ حَتَّى تَتَفَطَّرَ رِجْلَاهُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَتَصْنَعُ هَذَا وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ فَقَالَ : " يَا عَائِشَةُ، أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا "
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم "أنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة"
وفي حديث ابن عمر رضي الله عنه في سنن أبى داود وصححه الشيخ الألباني قَالَ: إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ: «رَبِّ اغْفِرْ لِي، وَتُبْ عَلَيَّ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)
وقد ثبت عنه أنه في الاستغفار له صيغ عديدة منها
( استغفر الله وأتوب إليه) كما قال أبو هريرة ( ما رأيت أحداً أن يقول استغفر الله وأتوب إليه أكثر من رسول الله صلى الله عليه وسلم )
ومنها (ربي اغفر لي وتب علي انك أنت التواب الرحيم ) كما في حديث ابن عمر الذي سبق ذكره  
وفي حديث أبى بكر لما سأل النبي عن دعاء يدعو به في صلاته (عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي، قَالَ: " قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ ")
ومنها حديث أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهذا الدعاء "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي"
ومنها دعاء سيد الاستغفار( اللَّهُمَّ أَنْت رَبِّي لَا إِلَه إِلَّا أَنْت، خلقتني وَأَنا عَبدك، وَأَنا على عَهْدك وَوَعدك مَا اسْتَطَعْت، أعوذ بك من شَرّ مَا صنعت، أَبُوء لَك بنعمتك عَليّ وأبوء بذنبي، فَاغْفِر لي فَإِنَّهُ لَا يغْفر الذُّنُوب إِلَّا أَنْت)
وهذا الحديث حديث جلل فيه معاني كثيرة
أولا : اعتراف العبد بربوبية الله عز وجل
ثانيا : الاعتراف بإلوهية الله بأنه هو الخالق الذي خلقني وانه اعلم بحال العبد والعبد ضعيف وعاجز ومقصر وأن ناصية العبد بيد الله وفى قبضته لا مهرب ولا ولى للعبد سوى الله ثم يلتزم العبد بأن يدخل تحت عهد الله قدر ما استطاع هذا العبد الضعيف فأنا يا رب لا أستطيع أن أؤدي حقك وهذا هو جهدي المقل  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق