>

الجمعة، 29 يونيو 2012

باب الصيام من كتاب منار السبيل شرح الدليل لـ ابن ضويان




كتاب الصيام

صوم رمضان أحد أركان الإسلام ومبانيه لحديث ابن عمر : بني الإسلام على خمس وقد سبق . افترض في السنة الثانية من الهجرة ، فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تسع رمضانات إجماعاً .
يجب صوم رمضان بروية هلاله على جميع الناس لقوله تعالى : فمن شهد منكم الشهر فليصمه [ البقرة : 185]
وقوله صلى الله عليه وسلم : صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته متفق عليه وبإكمال شعبان . قال في الشرح : لا نعلم فيه خلافاً .

وعلى من حال دونهم ، ودون مطلعه غيم ، أو قتر ليلة الثلاثين من شعبان ، احتياطاً بنية رمضان لقوله في حديث ابن عمر فإن غم عليكم فاقدروا له متفق عليه . يعني ضيقوا له العدة . من قوله : ومن قدر عليه رزقه [ الطلاق : 7] أي ضيق عليه . وتضيق العدة له : أن يحسب شعبان تسعة وعشرين يوماً . وكان ابن عمر ، إذا حال دون مطلعه غيم أو قتر ، أصبح صائماً وهو راوي الحديث ، وعمله به تفسير له . وهو قول عمر وابنه ، وعمرو بن العاص ، وأبي هريرة ، وأنس ومعاوية ، وعائشة وأسماء ، ابنتي أبي بكر الصديق ، رضي الله عنهم . وعنه رواية ثانية لا يجب . قال الشيخ تقي الدين : هذا مذهب أحمد المنصوص الصريح عنه ، ولا أصل للوجوب في كلامه ، ولا كلام أحد من أصحابه ، فعليها يباح صومه ، اختاره الشيخ تقي الدين ، و ابن القيم في الهدي . وما نقل عن الصحابة إنما يدل على الاستحباب ، لا على الوجوب ، لعدم أمرهم به . وإنما نقل عنهم الفعل . وقول بعضهم : لأن أصوم يوماً من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوماً من رمضان . وعنه رواية ثالثة : الناس تبع الإمام ، لقوله صلى الله عليه وسلم صومكم يوم تصومون ، وأضحاكم يوم تضحون رواه أبو داود .
ويجزئ إن ظهر منه أي من رمضان : بأن تثبت رؤيته بموضع آخر ، لأن صومه قد وقع بنية رمضان لمستند شرعي أشبه الصوم للرؤية . قال الأ ثرم : قلت لأحمد ، فيعتد به ؟ قال : كان ابن عمر يعتد به فإذا أصبح عازماً على الصوم اعتد به ويجزئه .
وتصلى التراويح احتياطاً للقيام ، لقوله صلى الله عليه وسلم : من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر لة ما تقدم من ذنبه ولا يتحقق قيامه كله إلا بذلك .
ولا تثبت بقية الأحكام : كوقوع الطلاق ، والعتق ، وحلول الأجل المعلق بدخوله ، عملاً بالأصل . خولف في الصوم احتياطاً للعبادة .
وتثبت رؤية هلاله بخبر مسلم مكلف عدل ولو عبداً أو أنثى نص عليه وفاقاً للشافعي ، وحكاه الترمذي عن أكثر العلماء ، قاله في الفروع ، لحديث ابن عباس قال : جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : رأيت الهلال . قال : أتشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله ؟ قال : نعم . قال يا بلال : أذن في الناس فليصوموا غداً رواه أبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وعن ابن عمر قال : تراءى الناس الهلال ، فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم ، أني رأيته ، فصام وأمر الناس بصيامه رواه أبو داود . وتثبت بقية الأحكام تبعاً للصيام .
ولا يقبل في بقية الشهور إلا رجلان عدلان لحديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ، فيه : فإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا ، وأفطروا رواه أحمد والنسائي ، ولم يقل مسلمان ، وإن صاموا بشهادة واحد ثلاثين يوماً ، فلم يروا الهلال ، لم يفطروا ، لقوله عليه السلام : صوموا لرؤيته . . . الحديث .


فصل

وشرط وجوب الصوم أربعة أشياء : الإسلام ، والبلوغ ، والعقل فلا يجب على كافر ولا صغير ولا مجنون ، لحديث : رفع القلم عن ثلاثة .
والقدرة عليه . فمن عجز عنه لكبر ، أو مرض لايرجى زواله أفطر ، وأطعم عن كل يوم مسكيناً مدبر ، أو نصف صاع من غيره لقول ابن عباس في قوله تعالى : وعلى الذين يطيقونه فدية [ البقرة : 184] ليست بمنسوخة هي للكبير الذي لا يستطيع الصوم رواه البخاري ، والحامل ، والمرضع إذا خافتا على أولادهما أفطرتا ، وأطعمتا رواه أبو داود .
وشروط صحته ستة : الإسلام فلا يصح من كافر .
وانقطاع دم الحيض ، والنفاس لما تقدم في بابه .
الرابع : التمييز ، فيجب على ولي المميز المطيق للصوم أمره به ، وضربه ، عليه ليعتاده قياساً على الصلاة .
الخامس : العقل لأن الصوم ، الإمساك مع النية لحديث : يدع طعامه وشرابه من أجلي فأضاف الترك إليه ، وهو لا يضاف إلى المجنون ، والمغمى عليه .
لكن لو نوى ليلاً ثم جن ، أو أغمي عليه جميع النهار ، فأفاق منه قليلاً صح صومه لوجود الإمساك فيه . قال في الشرح : ولا نعلم خلافاً في وجوب القضاء على المغمى عليه - أي جميع النهار - لأنه مكلف ، بخلاف المجنون . ومن نام جميع النهار صح صومه ، لأن النوم عادة ، ولا يزول به الإحساس بالكلية .
السادس : النية من الليل لكل يوم واجب لحديث حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له رواه أبو داود .
فمن خطر بقلبه ليلاً أنه صائم فقد نوى لأن النية محلها القلب .
وكذا الأكل ، والشرب بنية الصوم قال الشيخ تقي الدين : هو حين يتعشى عشاء من يريد الصوم ، ولهذا يفرق بين عشاء ليلة العيد ، وعشاء ليالي رمضان .
ولا يضر إن أتى بعد النية بمناف للصوم لأن الله تعالى أباح الأكل إلى آخر الليل ، فلو بطلت به فات محلها .
أو قال إن شاء الله غير متردد كما لا يفسد الإيمان بقوله : أنا مؤمن إن شاء الله .
وكذا لو قال ليلة الثلاثين من رمضان : إن كان غداً من رمضان ففرض وإلا فمفطر فبان من رمضان أجزاءه ، لأنه بنى على أصل لم يثبت زواله : وهو بقاء الشهر .
ويضر إن قاله في أوله لعدم جزمه بالنية .
وفرضه الامساك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس لقوله تعالى : وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل [البقرة : 187]
وقال صلى الله عليه وسلم : لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال ، ولا الفجر المستطيل ، ولكن الفجر المستطير في الافق حديث حسن . وعن عمر مرفوعاً : إذا أقبل الليل من ها هنا ، وأدبر النًهار من ها هنا ، وغربت الشمس ، أفطر الصائم متفق عليه .
وسننه ستة : تعجيل الفطر ، وتأخير السحور لحديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : لا تزال أمتي بخير ما أخروا السحور ، وعجلوا الفطر رواه أحمد .
والزيادة في أعمال الخير من القراءة والذكر والصدقة وغيرها .
وقوله جهراً إذا شتم : إني صائم لحديث أبي هريرة مرفوعاً إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث يومئذ ولا يصخب ، فإن شاتمه أحد ، أو قاتله فليقل : إني امرؤ صائم متفق عليه . وقال المجد : إن كان في غير رمضان أسره مخافة الرياء . واختار الشيخ تقي الدين الجهر مطلقاً ، لأن القول المطلق باللسان .
وقوله عند فطره : اللهم لك صمت ، وعلى رزقك أفطرت ، سبحانك وبحمدك . اللهم تقبل مني إنك أنت السميع العليم لحديث ابن العباس ، وأنس كان النبي صلى الله عليه وسلم ، إذا أفطر قال : اللهم لك صمنا ، وعلى رزقك أفطرنا ، اللهم تقبل منا ، إنك أنت السميع العليم وعن ابن عمر مرفوعاً : كان إذا أفطر قال : ذهب الظمأ وابتلت العروق ، ووجب الأجر إن شاء الله رواهن الدارقطني وفي الخبر : إن للصائم عند فطره دعوةً لا ترد .
وفطره على رطب ، فإن عدم فتمر ، فإن عدم فماء لحديث أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يفطر على رطبات قبل أن يصلي ، فإن لم يكن فعلى تمرات ، فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء رواه أبو داود والترمذي ، وقال : حسن غريب .


فصل
 
ويحرم على من لا عذر له الفطر برمضان لأنه ترك فريضة من غير عذر ، وعليه إمساك بقية يومه الذي أفطر فيه ، لأنه أمر به جميع النهار ، فمخالفته في بعضه لا يبيح المخالفة في الباقي ، وعليه القضاء ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ومن استقاء فليقض .
ويجب الفطر على الحائض والنفساء للحديث الصحيح : أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم ؟ .
وعلى من يحتاجه لإنقاذ معصوم من مهلكة كغرق ونحوه ، لأنه يمكنه تدارك الصوم بالقضاء ، بخلاف الغريق ونحوه .
ويسن لمسافر يباح له القصر لحديث ليس من البر الصيام في السفر متفق عليه . ورواه النسائي ، وزاد : عليكم برخصة الله التي رخص لكم فاقبلوها . وإن صام أجزأه نص عليه ، لحديث : هي رخصة من الله ، فمن أخذ بها فحسن ، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه رواه مسلم والنسائي ، وعن حمزة بن عمرو الأسلمي أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أصوم في السفر ؟ قال : إن شئت فصم ، وإن شئت فأفطر متفق عليه .
ولمريض يخاف الضرر لقوله تعالى : فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر الآية [البقرة : 184] .
ويباح لحاضر سافر في أثناء النهار لحديث أبي بصرة الغفاري أنه ركب سفينة من الفسطاط في شهر رمضان فدفع ، ثم قرب غداءه ، فلم يجاوز البيوت حتى دعا بالسفرة ، ثم قال : اقترب ، قيل : ألست ترى البيوت؟ قال : أترغب عن سنة محمد صلى الله عليه وسلم ؟ فأكل رواه أبو داود . وحديث أنس حسنه الترمذي . إذا فارق بيوت قريته العامرة لما تقدم ، ولأنه قبله لا يسمى مسافراً . والأفضل عدم الفطر تغليباً لحكم الحضر ، وخروجاً من الخلاف .
ولحامل ، ومرضع خافتا على أنفسهما فيفطران ويقضيان لا غير . قال في الشرح : لا نعلم فيه خلافاً .
أو على الولد . لكن لو أفطرتا خوفاً على الولد فقط ، لزم وليه إطعام مسكين لكل يوم لقوله تعالى : وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين [ البقرة : 184] . قال ابن عباس كانت رخصة للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة ، وهما يطيقان الصيام أن يفطرا ، ويطعما مكان كل يوم مسكيناً والحبلى والمرضع ، إذا خافتا على أولادهما أفطرتا ، وأطعمتا رواه أبو داود . ويجب عليهما القضاء ، لأنهما يطيقانه . قال الإمام أحمد : أذهب إلى حديث أبي هريرة ، ولا أقول بقول ابن عمر ، وابن عباس في منع القضاء ذكره في الشرح .
وإن أسلم الكافر ، أو طهرت الحائض ، أو برئ المريض ، أو قدم المسافر ، أو بلغ الصغير ، أو عقل المجنون في أثناء النهار ، وهم مفطرون ، لزمهم الإمساك والقضاء لذلك اليوم ، لأنهم لم يصوموه ، ولكن أمسكوا عن مفسدات الصوم لحرمة الوقت ، ولزوال المبيح للفطر .
وليس لمن جاز له الفطر برمضان أن يصوم غيره فيه أي في رمضان لأنه لا يسع غير ما فرض فيه ، ولا يصلح لسواه .


فصل في المفطرات
 
   
وهي اثنا عشر : 1 - خروج دم الحيض ، والنفاس لما سبق .
    2 -
الموت لحديث إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث
    3 -
الردة لقوله تعالى : لئن أشركت ليحبطنً عًملك [الزمر : 65 ]
    4 -
العزم على الفطر نص عليه . قال في الفروع : وفاقاً للشافعي ، ومالك ، لقطعه النية المشترطة في جميعه في الفرض . قال في الكافي : فإذا قطعها في أثنائه خلا ذلك الجزء عن النية ، فيفسد الكل لفساد الشرط .
    5 -
التردد فيه لأنه لم يجزم بالنية . ونقل الأ ثرم : لا يجزئه من الواجب حتى يكون عازماً على الصوم يومه كله . قاله في الفروع .
    6 -
القيء عمداً قال ابن المنذر : أجمعوا على إبطال صوم من استقاء عامداً ، ولحديث أبي هريرة مرفوعاً : من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ومن استقاء عمداً فليقض رواه أبو داود ، والترمذي .
    7 -
الإحتقان من الدبر نص عليه .
    8 -
بلع النخامة إذا وصلت إلى الفم لعدم المشقة بالتحرز منها ، بخلاف البصاق ، ولأنها من غير الفم أشبه بالقيء . وعنه : لا تفطر لأنها معتادة في الفم أشبه بالريق . قاله في الكافي .
    9 -
الحجامة خاصة ، حاجماً كان أو محجوماً نص عليه . وهو قول علي وابن عباس ، وأبي هريرة ، وعائشة ، رضي الله عنهم ، وبه قال إسحاق ، و ابن المنذر ، وابن خزيمة ، قاله في الشرح لحديث : أفطر الحاجم والمحجوم رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أحد عشر نفساً قال أحمد : حديث ثوبان وشداد صحيحان . وقال نحوه علي بن المديني . وحديث ابن عباس - أن النبي صلى الله عليه وسلم ، احتجم وهو صائم رواه البخاري - منسوخ ، لأن ابن عباس راويه كان يعد الحجام والمحاجم قبل مغيب الشمس ، فاذا غابت احتجم كذلك رواه الجوزجاني .
    10 -
إنزال المني بتكرار النظر لأنه إنزال عن فعل في الصوم يتلذذ به ، أمكن التحرز عنه ، أشبه الإنزال باللمس . قاله في الكافي .
   
لا بنظرة ولا بالتفكر لأنه لا يمكن التحرز منه . قاله في الكافي .
   
الاحتلام لأنه ليس بسبب من جهته ولا باختياره ، فلا يفسد الصوم بلا نزاع .
   
ولا بالمذي أي لايفسد الصوم بالمذي من تكرار النظر لأنه ليس بمباشرة .
    11 -
خروج المني أوالمذي بتقبيل أو لمس أواستمناء أو مباشرة دون الفرج لأنه إنزال عن مباشرة ، أشبه الجماع وأما المذي ، فلتخلل الشهوة له وخروجه بالمباشرة ، أشبه المني ، وحجة ذلك إيماء حديث عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم ولكنه كان أملككم لإربه رواه الجماعة إلا النسائي .
    12 -
كل ما وصل إلى الجوف أو الحلق أو الدماغ ، من مائع وغيره فيفطر إن قطر في أذنه ما وصل إلى دماغه ، أو داوى الجائفة ، فوصل إلى جوفه ، أو اكتحل بما علم وصوله إلى حلقه لقوله صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة وبالغ في الاستنشاق ، إلا أن تكون صائماً وهذا يدل على أنه يفسد الصوم إذا بالغ فيه بحيث يدخل إلى خياشيمه أو دماغه ، وقيس عليه ما وصل إلى جوفه أو دماغه . وروى أبو داود ، والبخاري في تاريخه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه أمر بالإثمد المروح عند النوم ، وقال : ليتقه الصائم وإن شك في وصوله إلى حلقه لكونه يسيراً ، ولم يجد طعمه لم يفطر . نص عليه .
   
أو مضغ علكاً ، أو ذاق طعاماً ووجد الطعم بحلقه فإن لم يجده بحلقه لم يضره ، لقول ابن عباس : لا بأس أن يذوق الخل الشئ يريد شراءه حكاه عنه أحمد ، والبخاري ، وكان الحسن يمضغ الجوز لابن ابنه ، وهو صائم . ونقل عن أحمد كراهة مضغ العلك . ورخصت فيه عائًشة ، رضي الله عنها . قاله في الشرح .
   
أو بلع ريقه بعد أن وصل إلى ما بين شفتيه أو بلع ريق غيره أفطر ، لأنه بلعه من غير فمه ، أشبه ما لو بلع ماء . قاله في الكافي .
   
ولا يفطر إن فعل شيئاً من المفطرات ناسياً أو مكرهاً نص عليه . وبه قال علي ، وابن عمر ، لحديث أبي هريرة مرفوعاً : من نسي وهو صائم ، فأكل أو شرب فليتم صومه ، فإنما أطعمه الله وسقاه رواه الجماعة إلا النسائي . فنص على الأكل والشرب . وقسنا الباقي ، وقيس المكروه على من ذرعه القيء . قال معناه في الكافي .
   
ولا إن دخل الغبار حلقه ، أو الذباب بغير قصده ولا إن جمع ريقه فابتلعه لأنه لم يمكن التحرز منه . ولا يدخل تحت الوسع ، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها ، قال في الشرح : لا يفسد صومه ، لا نعلم فيه خلافاً .


فصل

   
ومن جامع نهار رمضان في قبل أو دبر ، ولو لميت أو بهيمة ، في حالة يلزمه فيها الإمساك ، مكرهاً كان أو ناسياً لزمه القضاء والكفارة لحديث أبي هريرة أن رجلاً قال : يا رسول الله ، وقعت على امرأتي وأنا صائم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل تجد رقبةً تعتقها ؟ قال : لا ، قال : فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ قال : لا ، قال : فهل تجد إطعام ستين مسكيناً ؟ قال : لا ، فسكت ، فبينا نحن على ذلك ، أتي النبي صلى الله عليه وسلم ، بعرق تمر ، فقال : أين السائل ؟ خذ هذا تصدق به ، فقال الرجل : على أفقر مني يا رسول الله ؟! فوالله ما بين لابتيها - يريد الحرتين - أفقر من أهل بيتي ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ، ثم قال : أطعمه أهلك متفق عليه . وقال صلى الله عليه وسلم ، للمجامع صم يوماً مكانه رواه أبو داود . ويلزمان المكره والناسي ، لأنه صلى الله عليه وسلم ، لم يستفصل المواقع عن حاله .
   
وكذا من جومع ، إن طاوع في وجوب القضاء والكفارة ، لهتك صوم رمضان بالجماع طوعاً ، فأشبهت الرجل ، ولأن تمكينها منه كفعل الرجل في حد الزنى ، وهو يدرأ بالشبهة ، ففي الكفارة أولى ، وعنه لا تلزمها لأنه صلى الله عليه وسلم ، لم يأمر امرأة المواقع بكفارة .
   
غير جاهل وناس فلا كفارة عليها ، رواية واحدة . قاله في الكافي لحديث عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان رواه النسائي .
   
والكفارة عتق رقبة مؤمنة ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً ، فإن لم يجد سقطت عنه ، بخلاف غيرها من الكفارات للحديث السابق .
   
ولا كفارة في رمضان بغير الجماع والإنزال بالمساحقة من مجبوب أو امرأة قياساً على الجماع ، لفساد الصوم ، وهتك حرمة رمضان .



فصل



   
ومن فاته رمضان قضى عدد أيامه لقوله تعالى : فعدة من أيام أخر [البقرة : 184]
   
ويسن القضاء على الفور متتابعاً نص عليه . قال في الشرح : ولا نعلم في استحباب التتابع خلافاً ، وحكي وجوبه عن الشعبي والنخعي انتهى . ولا بأس أن يفرق ، قاله البخاري عن ابن عباس . وعن ابن عمر مرفوعاً : قضاء رمضان ، إن شاء فرق وإن شاء تابع رواه الدارقطني .
   
إلا إذا بقي من شعبان بقدر ماعليه ، فيجب التتابع لضيق الوقت لقول عائشة : لقد كان يكون علي الصيام من رمضان ، فما أقضيه حتى يجئ شعبان متفق عليه . فإن أخره لغير عذر حتى أدركه رمضان آخر فعليه مع القضاء إطعام مسكين لكل يوم . يروى ذلك عن ابن عباس وابن عمر وأبي هريرة ، ولم يرو عن غيرهم خلافهم . قاله في الشرح .
   
ولا يصح ابتداء تطوع من عليه قضاء رمضان نص عليه .
   
فإن نوى صوماً واجباً ، أو قضاء ثم قلبه نفلاً صح كالصلاة .
   
ويسن صوم التطوع ، وأفضله يوم ويوم لحديث عبد الله بن عمرو . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحب الصيام إلى الله تعالى صيام داود . كان يصوم يوماً ، ويفطر يوماً متفق عليه .
   
ويسن صوم أيام البيض : وهي ثلاثة عشر ، وأربعة عشر ، وخمسة عشر لقول أبي هريرة أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم ، بثلاث : صيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى ، وأن أوتر قبل أن أنام متفق عليه . وعن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا ذر ، إذا صمت من الشهر ثلاثة أيام فصم ثلاث عشرة ، وأربع عشرة ، وخمس عشرة حسنه الترمذي .
   
وصوم الخميس والإثنين لأنه صلى الله عليه وسلم ، كان يصومهما فسئل عن ذلك ، فقال : إن الأعمال تعرض يوم الإثنين والخميس رواه أبو داود ، وفي لفظ : وأحب أن يعرض عملي وأنا صائم .
   
وستة من شوال لحديث أبي أيوب مرفوعاً : من صام رمضان ، وأتبعه ستاً من شوال ، فكأنما صام الدهر رواه مسلم وأبو داود . قال أحمد : هو من ثلاثة أوجه عن النبي صلى الله عليه وسلم .
   
وسن صوم المحرم لحديث أبي هريرة مرفوعاً : أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم رواه مسلم .
   
وآكده عاشوراء وهو كفارة سنة لحديث أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال في صيام يوم عاشوراء : إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي بعده رواه مسلم .
   
وصوم عشر ذي الحجة لحديث ابن عباس مرفوعاً : ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله ، من هذه الأيام العشر رواه البخاري . وعن حفصة قالت : أربع لم يكن يدعهن رسول الله صلى الله عليه وسلم : صيام عاشوراء ، والعشر ، وثلاث أيام من كل شهر ، والركعتين قبل الغداة رواه أحمد والنسائي .
   
وآكدها يوم عرفة ، وهو كفارة سنتين لحديث أبي قتادة مرفوعاً : صوم يوم عرفة يكفر سنتين ، ماضية ومستقبلةً ، وصوم عاشوراء يكفر سنةً ماضيةً رواه الجماعة ، إلا البخاري والترمذي . ويليه في الآكدية يوم التروية : وهو ثامن ذي الحجة ، لحديث : صوم يوم التروية كفارة سنة الحديث ، رواه أبو الشيخ في الثواب وابن النجار عن ابن عباس مرفوعاً .
   
وكره إفراد رجب بالصوم ، لما روى أحمد عن خرشة بن الحر ، قال : رأيت عمر يضرب أكف المترجبين حتى يضعوها في الطعام ، ويقول : كلوا ، فإنما هو شهر كانت تعظمه الجاهلية وبإسناده عن ابن عمر أنه كان إذا رأى الناس ، وما يعدونه لرجب ، كرهه وقال : صوموا منه وأفطروا .
   
والجمعة والسبت بالصوم لحديث أبي هريرة مرفوعاً : لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده متفق عليه . وحديث : لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم حسنه الترمذي . واختار الشيخ تقي الدين : أنه لايكره صوم يوم السبت مفرداً ، وأن الحديث شاذ أو منسوخ .
   
وكره صوم يوم الشك تطوعاً لقول عمار من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم رواه أبو داود والترمذي .
   
وهو الثلاثون من شعبان إذا لم يكن غيم أو قتر عند أصحابنا .
   
ويحرم صوم العيدين إجماعاً لحديث أبي هريرة مرفوعاً : نهي عن صوم يومين : يوم الفطر ، ويوم الأضحى متفق عليه .
   
وأيام التشريق لحديث : وأيام منىً أيام أكل وشرب رواه مسلم مختصراً ، إلا للمتمتع إذا لم يجد الهدي ، لحديث ابن عمر وعائشة لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن ، إلا لمن لم يجد الهدي رواه البخاري .
   
ومن دخل في تطوع لم يجب إتمامه لحديث عائشة قلت : يا رسول الله ، أهديت لنا هدية ، أوجاءنا رزق ، وقد خبأت لك شيئاً ، قال : ما هو ؟ قلت : حيس ، قال : هاتيه ، فجئت به فأكل ، ثم قال : قد كنت أصبحت صائماً رواه مسلم . وكره خروجه منه بلا عذر خروجاً من الخلاف ، ولقوله تعالى : ولا تبطلوا أعمالكم [ محمد : 33]
   
وفي فرض يجب إتمامه . ولا يجوز له الخروج بلا خلاف . قاله في الشرح ، لأنه يتعين بدخوله فيه ، فصار كالمتعين ، والخروج من عهدة الواجد متعين ، وإنما دخلت التوسعة في وقته رفقاً ، فإن بطل فعليه إعادته .
   
مالم يقلبه نفلاً فيثبت له حكم النفل .


كتاب الاعتكاف

وهو : لزوم المسجد لطاعة الله تعالى . وهو سنة . قال في الشرح : لا نعلم خلافاً في استحبابه ، لحديث عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله ، ثم اعتكف أزواجه من بعده متفق عليه .
ويجب بالنذر قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن الإعتكاف لا يجب على الناس فرضاً ، إلا أن يوجب المرء على نفسه الإعتكاف نذراً ، لقوله صلى الله عليه وسلم : من نذر أن يطيع الله فليطعه رواه البخاري .
وشرط صحته ستة أشياء : النية ، والإسلام ، والعقل والتمييز كسائر العبادات .
وعدم ما يوجب الغسل لقوله صلى الله عليه وسلم : لا أحل المسجد لحائض ولا جنب وقد سبق .
وكونه بمسجد لقوله تعالى : وأنتم عاكفون في المساجد [البقرة : 187] ويزاد في حق من تلزمه الجماعة أن يكون المسجد مما تقام فيه الجماعة قال في الشرح : لا نعلم فيه خلافاً ، لأنها واجبة عليه ، فلا يجوز تركها ، ولا كثرة الخروج الذي يمكن التحرز منه ، لأنه مناف للاعتكاف .
ومن المسجد ما زيد فيه حتى في الثواب في المسجد الحرام ، لعموم الخبر . وعند الشيخ تقي الدين وابن رجب ، وطائفة من السلف : ومسجد المدينة أيضاً . فزيادته كهو في المضاعفة . وخالف فيه ابن عقيل وابن الجوزي ، وقال ابن مفلح في الآداب الكبرى : هذه المضاعفة تختص بالمسجد غير الزيادة على ظاهر الخبر ، يعني قوله صلى الله عليه وسلم : صلاةً في مسجدى هذا . . . .
ومنه سطحه لعموم قوله في المساجد .
ورحبته المحوطة قال القاضي : إن كان عليها حائط وباب ، كرحبة جامع المهدي بالرصافة ، فهي كالمسجد لأنها معه وتابعة له ، وإن لم تكن محوطة ، كرحبة جامع المنصور ، لم يثبت لها حكم المسجد .
ومنارتها التي هي أو بابها فيه لأنها في حكمه وتابعة له .
ومن عين الاعتكاف بمسجد غير الثلاثة لم يتعين ولو بلا شد رحل ، لأن الله لم يعين لعبادته مكاناً كمن نذر صلاة بغير المساجد الثلاثة . لحديث أبي هريرة مرفوعاً : لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى متفق عليه . ولو تعين غيرها بالتعيين لزم المضي إليه ، واحتاج إلى شد رحل لقضاء نذره ، ولأن الله تعالى لم يعين لعبادته مكاناً في غير الحج . وأفضل المساجد المسجد الحرام ، فمسجد المدينة ، فالمسجد الأقصى ، لحديث أبي هريرة مرفوعاً : صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه ، إلا المسجد الحرام رواه الجماعة إلا أبا داود . وفي رواية فإنه أفضل فمن نذر اعتكافاً أو صلاة في أحدها لم يجزئه في غيره إلا أن يكون أفضل منه ، فمن نذر في المسجد الحرام لم يجزئه غيره ، ومن نذر في مسجد المدينة أجزأه فيه وفي المسجد الحرام ، ومن نذر في الأقصى أجزأه في الثلاثة ، لحديث جابر أن رجلاً قال يوم الفتح : يارسول الله ، إني نذرت : إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس ، فقال : صل ها هنا ، فسأله ، فقال : صل ها هنا ، فسأله ، فقال : شأنك إذاً رواه أحمد وأبو داود .
ويبطل الإعتكاف بالخروج من المسجد لغير عذر لقول عائشة : السنة للمعتكف ألا يخرج إلا لما لا بد له منه رواه أبو داود . وحديث . وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان متفق عليه .
وبنية الخروج ، ولو لم يخرج لحديث إنما الأعمال بالنيات
وبالوطء في الفرج لقوله تعالى : ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد [البقرة : 187] فإذا حرم الوطء في العبادة أفسدها ، كالصوم والحج ، بطل اعتكافه واستأنف الاعتكاف .
وبالإنزال بالمباشرة دون الفرج لعموم الآية .
وبالردة لقوله تعالى : لئن أشركت ليحبطن عملك [ الزمر : 65]
وبالسكر لخروج السكران عن كونه من أهل المسجد .
وحيث بطل الإعتكاف وجب استئناف النذر المتتابع غير المقيد بزمن ولا كفارة لأنه أمكنه الإتيان بالمنذور على صفته فلزمه ، كحالة الابتداء .
وإن كان مقيداً بزمن معين استأنفه ، وعليه كفارة يمين لفوات المحل . ولا يبطل الإعتكاف إن خرج من المسجد لبول أو غائط أو طهارة واجبة لما تقدم .
أو لإزالة نجاسة ، أو لجمعة تلزمه ولا قضاء لزمنه ، ولا كفارة لأن ذلك كالمستثنى لكونه معتاداً .
ولا إن خرج للإتيان بمأكل أو مشرب ، لعدم خادم لأنه لا بد له منه . فيدخل في عموم حديث عائشة : وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان متفق عليه . وله المشي على عادته من غير عجلة ، لأن ذلك يشق عليه . ويجوز أن يسأل عن المريض وغيره في طريقه ، ولا يعرج إليه ولا يقف ، لقول عائشة : إن كنت لأدخل البيت للحاجة ، والمريض فيه ، فلا أسأل عنه إلا وأنا مارة متفق عليه
وينبغي لمن قصد المسجد أن ينوي الإعتكاف مدة لبثه فيه لا سيما إن كان صائماً ذكره ابن الجوزي في المنهاج ، ولم يره الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق