تفسير سورة الحجرات ايه (12)
قوله تعالي (يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ
وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ
لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ
رَّحِيمٌ)
هذه الآية اشتملت علي جمله من الفوائد وهي
أولا :أن الله نادي المؤمنين
في هذه السورة بنداء الإيمان للمرة الخامسة
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا: يا من صدقتم وأيقنتم باطنا
وظاهرا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلي الله عليه وسلم نبيا ورسولا ....انتبهوا
لهذه الآيات التي تعصف بالمجتمع
سوء الظن
يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا:يحرك فيهم وازع الإيمان
اجتنبوا: أن يكون
المرء في جانب وكثير من الظن في جانب أخر
وهو ابلغ
من النهي
ولذلك لما أراد الله أن يحرم الخمر علي المسلمين
قال (ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ
وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ
تُفْلِحُونَ)
أي لا يشربها ولا يبيعها ولا يشتريها ولا يهادي بها
ولا يكون بينه وبين الخمر أي تعامل .
وهو من اقوي العبارات للنهي عن الشيء وهو الاجتناب
.
الأمر المباشر لكل من امن بلسانه ولكل من رضي بالله
ربا وبالإسلام دينا ومحمدا رسولا
أمر مباشر من الله عز وجل أن يجتنب كثير من الظن
وبالأخص سوء الظن
لان الظن قسمان :
1- حسن مأمور به وهو أن تظن الخير بمن هو أهله ونظن الخير بمن ظهر
لنا من أماراته وسماته الخير .
2- الظن السيئ وهو أن نظن السوء
بإنسان وينقسم إلي قسمان :
أ-
ظن سيء حرمته
الشريعة وأمرنا أن نجتنبه ونبتعد عنه ولا نقربه .
ب-
ظن سوء بمن
قامت عليه الادله والبينات وهذا لا يلام عليه المرء إن فعله .
الظن : معناه الاحتمال الراجح من أمرين
مثال1 : أخت رأت أخت تقع في فعل محرم ....مثل الغيبة أو السرقة ورأتها بعينها . فهذا
يسمي عين يقين .
مثال 2:أخبرتك اختكي أن فلانة من الناس قالت كذبا وأنتي لم تجربي علي من أخبرتك
كذبا أصبح عندك ظن أن فلانة هذه قالت واحتمال
أنها لم تقل
فيكون الظن معناه
احتمال الراجح بين أمرين
إما الشك فيكون الاحتمالين
متساويين 50% و50%
ممكن تكون قالت وممكن
لا
وعندما يقول الله.... اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ...
معناه أن ليس كل الظن
إثم ولكن بعضه إثم
ولكن الفائدة هنا
لكي لا نقع في بعض الظن الإثم لابد أن نجتنب كثيرا من الظن بما فيه المباح
والعلماء يقولون في
أصول الفقه:- ما لا يتم ترك الحرام إلا به فهو واجب .
لو أن أخت تشاهد التلفاز
للقنوات الاسلاميه ووجدت نفسها تدريجيا تشاهد القنوات الاخري مثل الدراما وغيرها من
الأغاني ...يحرم عليها أن تشاهد التلفاز
وللأسف إن مسألة سوء
الظن انتشرت في الحقل الدعوي بكثرة
وأيضا داخل الجامعات
وأماكن العمل وأيضا داخل الأسر
ملخص سوء الظن :هو تهمة الآخرين بما يسوؤهم بدون دليل وبدون برهان.
مظاهر سوء الظن
:نشر الشائعات بدون تثبت – الكلام عن النيات وإلزام مالا يلزم -
الفضول والتطفل
أسباب الوقوع في سوء الظن :
1-أن يكون الشخص الواقع في سوء الظن عنده سوء نية
.
2-الحسد لقوله تعالي (أَمْ
يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ)
3-البيئة المحيطة المعينة علي سوء الظن
4-العاطفية المفرطة مثال –الشخص الذي يحب بسرعة ويكره
بسرعة ويتقلب في أي وقت ..وهذا أيضا من مفسدات الإخوة وقد يصل إلي الغيبة والقدح
فيجب علي الإنسان أن لا تؤثر فيه العاطفة
اثر سوء الظن علي الشخص :
1- انه ارتكب ذنبا وإثما لقوله تعالي (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ)
2- وقوعه في الكذب لقول النبي (إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ
الْحَدِيث)و (كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ
بِكُلِّ مَا سَمِعَ )
3- انه يكون مفتاحا للشر ومفتاحا للفتنة نتيجة انه يتحرك بهذه
النفسية الموتورة وهذه الظنون التي يظنها حقائق فينشر الفساد بين
الناس
4-
انه تقعده عن أعمال
البر وتوقعه في الاضطراب النفسي
5- انه يوقعه في سلسله من المعاصي الاخري مثل :التجسس والغيبة
و لقوله (...وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب
بَّعْضُكُم بَعْضًا)
وقول النبي (إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ
وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا تَبَاغَضُوا
وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا . رواه البخاري)
مثال امرأة سمعت صديقتها تتحدث في الهاتف وعندما دخلت
عليها أخفضت صوتها فظنت أنها تتحدث لرجل أجنبي فيأتي في نفسها أنها يجب أن تحذر زوج
هذه الصديقة من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذا مدخل للشيطان
وقد
يحدث طلاق بسببها وهذا الكلام وقع بالفعل
لان الشيطان عندما
ذهب للخوارج لم يقل لهم اقتلوا أو ازنوا ولكن قال لهم تشددوا وكفروا وان لم تكفره فأنت
كافر وبعد تكفيره يجب أن تقتله
6-
أن يعرض صاحبه
للندامة والعقوبة مثل ما حدث في حادثه الإفك
معني الإفك :الكذب المقلوب بان يتهم العفيفة بأنها ليست عفيفة
كما فعل عبد الله بن أبي ابن سلول رأس النفاق كان
يحسد النبي لان النبي لما قدم المدينة قال له اسعد بن زراره يا رسول الله إن أهل هذه البحيرة أي المدينة كان قد اتفقوا أن ينصبوه ملكا عليهم وصنعوا له التاج
فقدمت أنت يا رسول الله فحسدك
فوقع في النبي
فعندما رأي صفوان بن معطل متخلف عن الجيش للم المتاع أو الضعيف المتخلف عن الجيش فعندما رآه يحمل عائشة ويسوق بها لان الجيش سار ليلا
فقال المنافق والله
ما نجت منه وما نجي منها أرأيتم الحقارة
إنسان حقير مهين النفس يعمد إلى المطهرة المبرأة
أم المؤمنين عائشة التي لم يعهد عليها مثل
ذلك لا في الجاهلية ولا في الإسلام وصفوان بن معطل رجل صالح لماذا يتهمه ويتهمها هلاوس
وضلالات في رأسه والذي حمله علي ذلك هو الحسد وسوء طويته سريرته وفساد قلبه وحقده وعداوته
للنبي صلي الله عليه وسلم
وبدأ بعض الناس يخوضون في هذا الكلام فيتعرضوا للعقاب في الدنيا
لقوله تعالي و َالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ
شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا
وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)
وقوله تعالي إنَّ الَّذِينَ
يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ
وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)
المحصنات : العفائف &
الغافلات : الغافلة عن الفاحشة ولا يخطر ببالها السوء
لذلك فان خطورة الإعلام الفاسد يجعل الناس تألف المعصية
وتتعود علي الأشياء الغير أخلاقية
مثال للمؤمنين الذين تعاملوا
مع حادثة الإفك : أبو أيوب الأنصاري وأم أيوب رضي الله عنهما عندما وصلهم الخبر فقال
أبو أيوب لام أيوب لو أنتي مكان عائشة كنتي تفعلي
ما رميت به قالت لا .
فقال لها السيدة عائشة أفضل منك إذن مستحيل أن تفعل
ذلك الشيء
والعرب يتميزون بالشيم والأخلاق فمن المستحيل أن
يقوم صفوان بن معطل السلمي بشي مثل هذا أبدا
.والعرب يتميزون بالنخوة والرجولة والشيم والأخلاق النبيلة
تحكي أم سلمه أن الذي حملها علي فرس
وأوصلها للنبي رجل كافر وتقول أم سلمه ما رأيت خير منه أي في خلقه
ما كان ينظر إلي فكان يسبقها بخطوات عندما تنزل وأيضا عندما تصعد
فكيف بالمسلم لو تعامل مع المسلمة
7-أن يكون شخصيه منبوذة ومبغوضه وينفض
عنه الناس .
اثر سوء الظن علي الغير :
1-
يدمر الأسر
ويذهب الموده بين الزوجين ويذهب التوقير الواجب علي المرأة
فقد قال النبي للمرأة
(انظري أين أنتي منه فإنما هو جنتك ونارك )
فعلي المرأة أن تنتبه
لتوقير الزوج وإعطائه حقه لان سوء الظن يجعلها
تخفق في كثير من هذه الأمور
2-
تجعل الأبناء
ذات شخصيه ضعيفة مهزومة
فهو عندما يتكلم لا يصدق وأنتي تبحثين وراءه باستمرار
فيضطر إلى الحلف ثم بعد الحلف لا يصدق ...وهذا يدمر الأبناء ويخرج شخصيات مهينه
3- يقطع الاواصل بين البيئة الدعوية ويضعف البنية الدعوية ويعرض
العمل الدعوي للاهتزاز الشديد
4-
تمزيق العلاقات
الاجتماعية
5-
التباس الحق
بالباطل وهدم الرموز والشخصيات التي يقتدي بها
وهذه مسألة مهمة
قال بن القيم في سير إعلام النبلاء ( ما من إنسان إلا وله زلات وأخطاء ولكن هناك من لا ينبغي ذكر
زلاتهم )
وهم الذين لهم منصب دعوي في الأمة والتصدي للباطل
والوقوف علي الحق فلو تتبعنا سقطاتهم سقطت معم الشريعة والعلم الذي يحملونه وهذا ما
يفعله الإعلام الآن في الاستهزاء والتصيد لأخطاء العلماء والمشايخ .
فمن يقع فيهم يخاف علي نفسه لان الإنسان الفاضل قد
يقع منه هفوة أو خطأ ولكن منزلته ومكانته عند الله عظيمه وله فضائل كثيرة قد تغفر له
خطأه
فقد قال العلماء إذا
بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث
6- قطع الرحم . فالإنسان
إذا ساء الظن بأحد أقاربه فيترتب عليه قطع الرحم وعدم الصلة
ذكر العلماء في كتب الآداب : حسن الظن بأهل الدين
ومعناه : أن الإنسان إذا رأي إنسانا ظاهره الخير ولم يصدر منه إلا الخير فواجب عليه
أن يحسن به الظن وان بدر منه ما يحتمل الأمرين أن يرد هذا الأمر المشتبه إلى ما يعلمه
من حسن سيرته ومن ظهور عدالته ومن بلائه الحسن
مثال : لما الشيخ ياسر
برهامي طلع عليه شائعة انه زار احمد شفيق ليله إعلان النتيجة
وهذا أمر يحتمل أن يكون الشيخ ذهب للمداهن وإبرام صفقه
وأيضا يحتمل انه ذهب لمقصد شرعي صحيح
مثل حقن للدماء أو ...
وقد خرج الشيخ ياسر وقال إن الموضوع
أن الوقت كان فيه فتن وقد يحدث قتل أو شغب فانا ذهبت لكي أنبه إلي انه لو حدث شي من
الفوضى سيكون انتم المسؤلون أمام الله
فيلزم علينا نحن أن ننظر إلي المشهور عن الشيخ ياسر
في حياته فهو عمره 58 ويعمل في الدعوة من 1970 ونوع عمله انه دائما يدافع
عن الدعوة ولم يداهن ولم يكذب وهذا ما عهدنا علي الشيخ الدفاع عن أهل السنة والجماعة
وتعليم الناس الدين
قال الإمام النووي : اعلم أن سوء الظن حرام مثل القول فكما
يحرم أن تحدث غيرك بمساوئ إنسان يحرم أن تحدث نفسك بذلك أو تسوء الظن به .
لقوله تعالي (اجتنبوا كثيرا من الظن )
وقال الني صلي الله عليه وسلم (إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيث)
والمراد بذلك عقد القلب وحكمه علي غيرك بالسوء
فأما الخواطر وحديث النفس إذا لم يستقر ويستمر عليه صاحبه فهو معفو عنه باتفاق العلماء
لأنه لا اختيار له في وقوعه
لقول النبي صلي الله عليه وسلم (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا
مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ) فقال العلماء الخواطر الذي لم تستقر
فيجب علي إذا أتت هذه الخواطر دفعه بالإعراض عنه
وذكر التأويلات الصارفة له عن ظاهره
نصائح لعلاج سؤ الظن :
1- الإقبال علي عيوب النفس والاشتغال بتقويمها وإصلاحها .
2-
استحضار الآيات
والأحاديث التي تتحدث عن هذه المسألة وتنهي عن سؤ الظن
3- النظر في جوانب الخير في الناس والموازنة بين الأمرين ودائما
التمس المعاذير للمسلمين وبناء العقيدة السليمة كحبي للمسلمين كأنه نفسي (لَوْلا إِذْ
سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا
)فوصف السيدة عائشة أنها أنفسنا
4-
معاملة الناس
بالظاهر وإيكال السرائر إلي الله .
مثال : لو أنني اتصلت بصديق لي ووجدته مشغولا ثم عاودت الاتصال ووجدت التلفون مغلق فعندما قابلته قلت له لما غلقت التلفون قال والله
لم أغلقه ولكن البطارية كانت فارغة فليس لي
إلا أن أصدقه .
لان النبي كان يقبل
من المعتذرين اعتذارهم وكان يكل سرائرهم إلي الله عز وجل وكان يقول إنكم تختصمون إلي وإنما أنا بشر ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته
من بعض ، وإنما ما أقضي بينكم على نحو مما أسمع
5-الالتزام
بأدب التناجي في الإسلام

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق