>

السبت، 8 ديسمبر 2012

حق الزوج على زوجته المحاضرة الثانية




بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعين به ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا إنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
ثم أما بعد ....
نواصل الحديث عن حقوق الزوج التي تجب على المرأة
1- طاعة الزوج :
وهو أعظم الحقوق وأكبرها وأوفرها حقا ، هو قطب الراحة ولو أن المرأة لم تعطي للزوج هذا الحق انهارت الحياة الزوجية بأكملها ، و أن هذا الحق يعتبر إعجاز من إعجاز القرآن الكريم وإعجاز الإسلام انه قوام الأسرة السليم الذي لا يستقيم وهو قوام المجتمع كله هو في طاعة الزوج ، لو اختل هذا البند أو هذا الحق انهارت الأسر بأكملها وأنها المجتمع بأسره .
نستكمل باقي الحقوق .... وقبل أن نستكملها هناك أمر ملتصق بطاعة الزوج لا ينفك عنه والمرأة إذا أهملت هذا الضابط في حق الزوج وهو الطاعة لو أهملت هذا الذي نذكره الآن ستعيش نكده وهو ( الإخلاص ) و أن المرأة تطيع زوجها وتعمل ذلك ابتغاء مرضات الله و إذا أغفلت هذا الضابط عاشت نكده ، فلابد أن تعمل ابتغاء مرضاة الله – سواء كان الزوج يستحق ذلك أو لا يستحقه لأنها تعمل هذا العمل وترجو به ثواب الله عز وجل .
فالمرأة إذا كانت تعتقد في نفسها أن زوجها لا يستحق الطاعة وأهملت بند والضابط وهو الطاعة لله عز وجل وكذلك يستحيل الخلاف بينها وبين زوجها لأنها تعمل العمل ولا تنتظر ثوابه إلا من الله ، فإن كان الزوج سيُقدر تلك التضحيات فلله الحمد من قبل ومن بعد ، و إن كان الزوج لا يعترف ولا يعرف الوفاء فهي لن تخسر شيئا لأنها ترجو أن يوفيها الله أجرها يوم القيامة .
قال الله تعالى فيمن يعمل مخلصا له {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً {8} إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً{9}} فالمرأة تعمل كذلك مع زوجها { لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً{9} إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً{10} فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً{11} وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً{12}} .
فالذي يعمل ابتغاء مرضاة الله سيجزينه الله بما صبر جنة وحريرا ، فالمرأة تطيع زوجها وتبتغي وجه ربها بهذه الطاعة فإن أكرمها الله عز وجل بوفاء من الزوج فهذه نعمة من الله تحتاج إلى شكر و أما إن لم يفي الزوج ولم يقدر هذا المجهود الطيب تقول { لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً} وتدعو الله عز وجل أن يلين قلب زوجها عليها فإن الله عز وجل بيده قلوب العبيد ويقلبها كيف شاء ، فإذا سألت المرأة ربها وهو الملك ، الله عز وجل بيده قلوب العبيد ، فإذا رأت من زوجها خلقا سيئا تناصحه وتدعو الله عز وجل أن يفهمه ذلك ويفهمه تلك النصيحة ويلين قلبه ويجعل قلبه رطبا يتقبل هذه النصيحة لكي تنبت في قلبه عملا صالحا وتكون ناصحة له .
1-    الطاعة .
2-  الإخلاص :- في أنها لا تبتغي إلا وجه الله من هذه الطاعة ، لا تريد من زوجها شيئا إلا أن تطيع ربها فيه كما أمرها .
3-  أن تتعاون معه على البر والتقوى :- يجب على الزوجين أن يتعاونا على طاعة الله – فقد قال الله تعالى : { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } فالعمل الصالح ينفع العبد في الدنيا والآخرة .
كثيراً ما تمتلئ الحياة بالابتلاءات التي تنغص على الإنسان حياته ، فيأتي العمل الصالح فيكون سبباً في تفريج تلك الهموم التي تجعل الحزن يخيم على البيت و أهله و من أجل ذلك ذكر الله لنا قصة زكريا عليه السلام عندما سأل ربه أن يرزقه الولد ، لكي يكمل مسيرته في الدعوة إلى الله ، قال تعالى {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ{89} فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ{90}.
الله عز وجل يعلمنا آية من الآيات التي أعطاها لنبيه زكريا ، زكريا كان وحده يدعو إلى الله وحده وكان هذا يؤلمه وكان هذا لا يثنيه على الدعوة فسأل ربه وناداه ألا يجعله فرداً وقال { رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} فاستجاب له ربه ووهب له ابنه يحيى وكان نبيا وأصلح له زوجه السبب { إِنَّهُمْ } العلماء يقولون إن تبين العلة { إِنَّهُمْ } لأنهم ، لماذا استجاب له ربه ووهب له يحيى وأصلح له زوجه ؟{ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ{90} .
ثلاث صفات إذا تحلى بها الزوجان كانا ربهما قريب لهما يستجيب دعائهما ويقربهما إليه ويحبهما ، ما هي هذه الصفات الثلاثة :-
أولا : المسارعة إلى الخيرات{ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } وهذا اللفظ فيه عمق ، ليس عمل الخيرات بل المسارعة إلى الخيرات ، الخيرات لفظ جمع معرفة "الـ " المعرفة ، المعرفة والجمع تدل على الاستغراق ، الاستغراق معناها : كل أنواع الخيرات ، كل خير كل معروف ، كل طاعة إلى الله عز وجل فيها خير ، فالمرأة لا تثني زوجها عن فعل الخير ولا تقطع عزمه ولا تزعجه بل تحمسه وتعلم أن المسارعة في الخيرات سبب كل خير .
ننظر إلى ؟{ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ } يسارعون : هذا اللفظ يشعر بأشياء كثيرة : بالرغبة الشديدة في فعل الخيرات و يشعر بالمبادرة وسرعة المبادرة إلي فعل الخير .
{ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ } كانوا : جمع  .
ثانيا : {وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ }أن الإنسان يدعو إلى الله رغباً ورهباً ، رغباً : مما عنده ، رهباً : من جلاله سبحانه .
ثالثا : { وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ } الخشوع والذل والانكسار .
ثلاث صفات من صفات العبودية ، وصفات لتفريج الكروب ، فالمسارعة إلي فعل الخيرات والدعاء المملوء بالرغبة والرهبة والخشوع لله سببا في تفريج الهم و إجابة الدعاء لذلك لابد أن يتحلى الزوجين  أن يجتهدا في أن يكونا كذلك ويسارعون في الخيرات ويدعون الله عز وجل {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } هذا هو الأمر الثالث أن يتحلى الزوجان بصفات الأنبياء لكي يتقربا إلى ربهما ((ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن دعاني لأستجيبن له ولئن استعاذني لأعيذنه )) .
فإذا مر على المرأة كرب من زوجها فتلجأ إلى الله عز وجل فإن الله عز وجل ملك ، هو الذي يملك قلب زوجها وهو الذي يسيره .
4- معاونة الزوج في البعد عن المعاصي :- وكما أنه يجب على الزوجين أن يتعاونا على البر والتقوى فكذلك يجب عليهما أن يتعاونا على البعد عن المعاصي فإن القلوب تجتمع على الطاعة وتفترق بسبب المعاصي .
قاعدة يجب أن تجعلها المرأة بين يديها وبين عينيها : أن القلوب يؤلفها الله بسبب الطاعة ويفرقها بسبب المعصية .
لو أن المرأة وجدت نصرة في طبع زوجها فتعلم أنها بسبب المعاصي و إن وجدت ألفه في قلب زوجها تعلم انه بسبب الطاعة ، قال أحد السلف : إني لأعلم ذنبي في خلق دابتي و امرأتي ، لو أن امرأته خلقها ضاق يعلم أن هذا بسبب المعاصي وهذا أمر لابد أن تنظر المرأة العاقبة بعين ثاقبة في هذا الأمر .
مثال لعل كثير من الناس لا يبصر إليه ولن تسرعه البصيرة في قلبه لكي تخترق سر هذا الأمر : أثناء الخطبة بعض الأخوات تتساهل ( أثناء الخطبة لا يجوز للمرأة أن تتكلم مع خطيبها سواء في التليفون أو برسائل ولا يجوز له أن يأتي ويجلس معها ولو بالنقاب أو مع وجو محرم لان هذا من الاختلاط المحرم ) فأحيانا الأخوات تتساهل في ذلك ولا تعلم المسكينة أن تأليف القلوب بيد الله عز وجل ، و أن قلبها وقلب زوجها بين إصبعين من أصابع الرحمن إن شاء جعل عيشهما نكدا وان شاء الله عز وجل جعلها سعادة لا تنقطع فالأخت تتساهل في ذلك ولا ترى ما بعد هذا الأمر وتتساهل في حق ربها ولو علمت أن القلوب تتألف بالطاعة وتنفر بالمعصية لعلمت أنها تقدم على أمر خطير ولو سولت لها نفسها على أن ذلك تعرف على شخصية هذا الرجل الذي اقتحم عليها خضرها ودخل على أسرتها دون سابق معرفة ولو كان ذلك .
مثال آخر : أخ يكون طيب وكذلك الأخت ويأتي عندي الفرح ويعملون فرح مليء بالمعاصي والذنوب فيه من الاختلاط ما فيه ، ومن الموسيقى الصاخبة الممنوعة ما فيها ومن التبرج ما فيه وكل هذا من المعاصي ويقول هذه ليلة في العمر ولا يدري هذا المسكين أن شؤم هذه الليلة لعله يدرك عمره كله هو وهي فلا يستطيعا أن يتألفا بسبب شؤم هذه المعصية .
فلابد للزوجين أن يتناصحا في الطاعة .
هناك قصة يحكيها بعض الذي يجرب ذلك تقول صاحبة القصة : كنا معاً في أطيب حال و أهنأ بال ، زوجين سعيدين متعاونين على طاعة الله وعندنا القناعة والرضا ، طفلتنا مصباح الدار بسمتها تُفتق الزهور إنها ريحانة تهتز ، فإذا جن علينا الليل ونامت الصغيرة قمت معه نسبح الله يؤمني ويرتل القرآن ترتيلاً وتصلي معنا الدموع في سكينة وخشوع وكأني أسمعها وهي تفيض قائلة : أنا إيمان فلان وفلانة .
وذات يوم أردنا أن تكثر فيه الفلوس اقترحت على زوجي أن نشتري أسهماً ربوية لتكثر منها الأموال فندخرها للعيال فوضعنا فيها كل ما نملك حتى حُلي الشبكة ، ثم انخفضت أسهم السوق وأحسنا بالهلكة فأصبح الدينار فلساً وشربنا من الهموم كأساً وكثرت علينا الديون والتبعات وعلمنا أن الله : {يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ }.
وفي ليلة حزينة ، خوت فيها الخزينة تشاجرت مع زوجي فطلبت منه الطلاق ، فصاح : أنت طالق ، أنت طالق ، فبكيت وبكت الصغيرة وعبر الدموع الجارية تذكرت جيداً : يوم جمعتنا الطاعة وفرقتنا المعصية .
هذه قصة ذكرتها بعض الأخوات من أن الربا هدم البيوت .
من أعظم ما لزوجها من حق :-
5- وفاء الزوجة لزوجها :- ومن أعظم الصفات التي ينبغي أن تتحلى بها كل زوجة صفة الوفاء وأيضا الزوج ، فالوفاء من أعظم الصفات التي تحلى بها النبي صلى الله عليه وسلم و أصحابه بل وتحلت بها كل نساء النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك نساء الصحابة رضي الله عنهم .
ولهذا درجت المرأة المسلمة على مواتاة زوجها ومصافاته واستخلاص نفسها له و أكثر ما كان صفاء نفسها وسماح خلقها وعذوبة طبعها ، إذا استحال الدهر بالرجل فرزأه في ماله ، أو نكبه في قوته ، أو بدله بكرم المنصب وروعة السلطان أعرافا من السجن و أصفاداً من الحديد .
وفاء الزوجة لزوجها : لو أن الأمر تبدل لزوجها وبعد أن كان ذا مال أصبح فقيرا تتغير المرأة لزوجها وتحس أنها لابد أن تنفر من هذا الزوج بل كان وفاؤها له بعد عفاء أثره و امحاء خبره ، عديل وفائها له وهي بين أفياء نعمته و أكناف داره وكان إيثار الإسلام له بمد حدادها عليه أربعة أشهر وعشرة أيام ، لا تتجمل في أثنائها ولا تزدان ولا تفارق داره إلى دار أبيها – سنة من سنن هذا الوفاء .
حداد المرأة على زوجها من الوفاء وهذا أمر من الله عز وجل .
ومن ذلك الوفاء ما روي من أن النساء قمن حين رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحد يسألن الناس عن أهلهن ، فلم يخبرن حتى أتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تسأله واحدة إلا أخبرها ، فجاءته حمنة بنت جحش ، فقال : " يا حمنة ، احتسبي أخاك عبد الله بن جحش " ، قال : إنا لله و إنا إليه راجعون ، رحمه الله وغفر له ، ثم قال : " يا حمنة ، احتسبي خالك حمزة بن عبد المطلب " قالت : إنا لله و إنا إليه راجعون ، رحمه الله وغفر له ، ثم قال : " يا حمنة احتسبي زوجك مصعب بن عمير " ، فقالت : يا حرباه ، الحرب : السلب أي واحزناه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن للمرأة لشعبة من الرجل ما هي له في شيء " ولعمرك إن في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلاغاً لما أوثرت المرأة به و أبرت فيه من فرط الحنو على زوجها وفضل الوفاء له بعد موته .
و أوصى أبو بكر رضي الله عنه أن تُغسله أسماء بنت عميس ففعلت وكانت صائمة ، فسألت من حضر من المهاجرين : وقالت : إني صائمة وهذا يوم شديد البرد ، فهل عليَّ من غسل ؟ فقالوا : لا ، وكان أبو بكر رضي الله عنه قد عزم عليها لما أفطرت ، وقال : هو أقوى لك ، فذكرت يمينه في آخر النهار فدعت بماء وشربت ، وقال : " والله لا أتبعه اليوم حنثاً ".
فكان من وفائها أنها أطاعت زوجها حتى بعد مماته
وحديث آخر : أن أسماء بنت عميس كانت لجعفر بن أبي طالب ثم لأبي بكر من بعده ثم خلفهما على رضي الله عنه ، فتفاخر مرة ولداها محمد بن جعفر ومحمد بن أبي بكر ، كل يقول : أنا أكرم منك ، وأبي خير من أبيك ، فقال لها على : اقضي بينهما يا أسماء ، قالت : ما رأيت شابا من العرب خيراً من جعفر ، ولا رأيت كهلاً خيراً من أبي بكر ، فقال على : ما تركت لنا شيئاً ، ولو قلتِ غير الذي قلتِ لمقتك ! فقالت أسماء : إن ثلاثاً أنت أقلهم لخيار .
فالوفاء لزوجها هذا من البر ، أيضا أريد أن اذكر شيئاً مهماً في هذا الأمر وهو : الوفاء الذي تحس به المرأة أمراً عملياً ، فالزوج أحياناً يبذل ما في وسعه لإسعاد زوجته و أحيانا هذا الوسع لا ترضى به المرأة فتمقت فعله وتزدرى عمله وتحس في قلبها أن هذا أمر قليل فلا ترضى به و أحيانا تحزن بسبب ذلك ، فلو تحلت هذه المرأة بخلق الوفاء لسعدت بذلك سعادة بالغة ورضيت من زوجها ما أتى به ، فأحيانا الزوج يأتي لزوجته بشيء يرى في نفسه أن هذا الشيء كبير ، لو قلنا أن حق الرجل على المرأة و أن المرأة لها النفقة والسكنة وما زاد على ذلك فهو صدقة تحس المرأة في ذلك أنها سعيدة لأن زوجها ينفق عليها بحب وطاعة وسعادة فالمرأة تجعل ذلك نعمة لزوجها عندها وتقدر ذلك وتجعله يحتاج إلى وفاء فتوفى المرأة حق زوجها في ذلك .
أحيانا يكون الخلاف بين المرأة وزوجها في أمور تحسبها المرأة أن فيها إهانة والزوج يشعر أنه أتى للمرأة بكل شيء عنده فهنا يحدث الخلاف ، لو المرأة قدرت ما يأتي به زوجها مهما يكن يكون هذا الوفاء .
مثال : امرأة تنتظر من زوجها هدية وتتخيل أن هذه الهدية شيء كبير ووجد زوجها هدية بسيطة مثل القلم وأتى لزوجنه به والأخت تنظر إلى الهدية وتشعر أنها قليلة فتحزن وتقول له هل هذا ما أتيت به ! فيحزن الزوج ويشعر أنه بذل ما في وسعه وهو يقصد حسن ويريد أن يسعد زوجته لا يريد أن يحزنها إنما أتى لها بهذه الهدية لكي يسعدها لعله أخطأ في الاختيار ولكن الأخت نظرت إلى الهدية بصورة مادية ليست معنوية ، المادية أنها لا تنظر إلى معنى الهدية بل نظرت إلى قيمة الهدية لكن لو غيرت الأخت تفكيرها سيكون هذا الأمر سعيداً أنها تنظر إلى أن زوجها أراد أن يسعدها بهذه الهدية ويدخل السرور على قلبها فلو شعرت بذلك لسعدت وعلمت أن زوجها يريد لها السعادة .
من صور الوفاء : امرأة امتنعت عن الزواج بعد موت زوجها لتكون زوجته في الجنة وكان من صور الوفاء التي تنقش على القلوب بماء الذهب أن الواحدة من نساء السلف كانت إذا مات زوجها تمتنع عن الزواج من بعده لتكون زوجة له في جنة الرحمن .
عن عكرمة : أن أسماء بنت أبي بكر كانت تحت الزبير بن العوام وكان شديدا عليها فأتت أباها ، فشكت ذلك إليه ، فقال : " يا بنية اصبري فإن المرأة إذا كان لها زوج صالح ثم مات عنها فلم تزوج بعده جمع بينهما في الجنة "
وعن جبير بن نفير عن أم الدرداء أنها قالت لأبي الدرداء : " إنك خطبتني إلى أبوي في الدنيا فأنكحوك و أنا أخطبك إلى نفسك في الآخرة :" قال : " فلا تنكحين بعدي " ، فخطبها معاوية فأخبرته بالذي كان فقال : " عليكِ بالصيام " .... أي : حتى لا تحتاج إلى الزواج .
قال رسول الله صلى اله عليه وسلم : " المرأة في آخر أزواجها " أي لآخر أزواجها .
وعن حذيفة أنه قال لزوجته : " إن شئت أن تكوني زوجتي في الجنة ، فلا تزوجي بعدي ، فإن المرأة في الجنة لآخر أزواجها في الدنيا ".
هناك صور من الوفاء ذكرها بعض المؤرخين كما في البداية والنهاية لابن كثير :
أن فاطمة بنت أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان كان لأبيها يوم تزوجت السلطان الأعظم على الشام والعراق والحجاز واليمن و إيران والسند وقفقاسيا والقريم وما وراء النهر إلى نجارا وجنوة شرقا وعلى مصر والسودان وليبيا وتونس والجزائر والمغرب الأقصى و إسبانيا غربا ولم تكن فاطمة بنت الخليفة الأعظم وحسب بل كانت كذلك أخت أربعة من فحول خلفاء الإسلام وهم : الوليد بن عبد الملك وسليمان بن عبد الملك ويزيد بن عبد الملك وهشام بن عبد الملك وكانت فيما بين ذلك زوجة أعظم خليفة عرفة الإسلام بعد خلفاء الصدر الأول وهو أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز ، فكانت بنت خليفة وزوجة خليفة وأخت أربعة من الخلفاء خرجت من بيت أبيها إلي بيت زوجها يوم زفت إليه وهي مثقلة بأثمن ما تملكه امرأة على وجه الأرض من الحلي والمجوهرات ويقال إن من هذا الحلي قرطي ماريا الذين اشتهرا في التاريخ وتغنى بهما الشعراء ومن فضول الكلام أنها كانت تعيش في بيتها في نعمة لا تعلو عليها عيشة والخليفة عمر بن عبد العزيز اختار في الوقت الذي كان فيه أعظم ملوك الأرض أن تكون نفقة بيته بضعة دراهم في اليوم ورضيت بذلك بنت الخليفة لأنها تذوقت لذة القناعة وتمتعت بحلاوة الاعتدال فصارت هذه اللذة وهذه الحلاوة أطيب لها و أرضى لنفسها من كل ما كانت تعرفه قبل ذلك من صنوف البذخ و ألوان الترف .
هذا الأمر مهم جدا للأخوات أن يفهموها وهو : أن المرأة لا تبالي تركز وتهتم بطاعة ربها قال : {قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ } والسجن فيه ما فيه من مصاحبة الأشرار والنزول على أسوء دار وما فيه من حبس النفس ولكنها طليقة في طاعة ربها فيوسف عليه السلام رضي أن يكون في السجن مقابل المعصية والمرأة كذلك إن كانت مع زوجها في سجن فترضى طالما أن تكون على الطاعة ويكون لها أسوة في فاطمة بنت عبد الملك بن مروان عندما تزوجت الخليفة افتقرت ولم تغتني وكانت في أسعد حال لأنها تذوقت لذة القناعة وذاقت حلاوة الاعتدال فصارت هذه اللذة وهذه الحلاوة أطيب لها و أرضى لنفسها من كل ما كانت تعرفه قبل ذلك من صنوف البذخ و ألوان الترف بل اقترح عليها زوجها أن تترفع عن عقلية الطفولة فتخرج من هذه الألاعيب والسفاسف التي كانت تبهرج بها أذنيها وعنقها وشعرها ومعصميها مما لا يسمن ولا يغني من جوع ولو بيع لأشبع ثمنه بطون شعب برجاله ونسائه و أطفاله فاستجابت له واستراحت من أثقال الحلي والمجوهرات واللآليء والدرر التي حملتها معها من بيت أبيها فبعثت بذلك كله إلى بيت المال وتوفى عقب ذلك زوجها ولم يخلف لزوجته و أولاده شيئا فجاءها أمين بيت المال وقال لها : أن ذهبك لا يزال كما هو و إني اعتبرته أمانة لك وحفظتها لذلك اليوم ، فأجابته أنها وهبته لبيت المال طاعة لأمير المؤمنين ثم قالت : وما كنت لأطيعه حياً و أعصيه ميتاً.
وأبت أن تسترد من مالها الحلال الموروث ما يساوى الملايين الكثيرة في الوقت الذي كانت محتاجة فيه إلي دريهمات وبذلك كتب الله لها الخلود وها نحن نتحدث عن شرف معدنها ورفيع منزلتها بعد عصور كثيرة ، أعلى الله مقامها في جنات النعيم .
هذا حال من حالات الصدق والوفاء لبعض النساء الذين عاشوا مترفين ووفوا مع زوجها ، هذه الأمور تعين الزوجة مع زوجها على الاستمرار في الحياة بلا نكد أو حزن وكذلك لو رأى  الزوج من المرأة الوفاء هو كذلك تحلى بهذا الخلق ووفى هو كذلك .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق