>

السبت، 8 ديسمبر 2012

تفسير سورة الحجرات -3




بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعين به ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا إنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
وبعد فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
ثم أما بعد ....
نواصل الحديث عن آيات سورة الحجرات وقفنا عند قول الله سبحانه وتعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ }الحجرات3
ما زال السياق متصل في نفس القصة ذاتها ، قصة ألا يتقدم المؤمنون بين يدي الله ورسوله بقول أو اقتراح ، لا يتقدموا بين يدي الله ورسوله تقديم الاقتراحات والبدائل والنبي صلى الله عليه وسلم حي بين أظهرهم ثم اللوم الشديد لمن يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم ، تكلمنا في أن هذا على من يرفع صوته حسا فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم كذلك من يرفع صوته فوق حديث النبي صلى الله عليه وسلم وهو يُقرأ والمعنى الباطن في الآية والشق المعنوي أن رفع الصوت على صوت النبي صلى الله عليه وسلم فيه أن من قدم قوله أو قدم قول احد من البشر كائنا من كان على قول النبي صلى الله عليه وسلم فقد رفع هذا القول فوق قول النبي صلى الله عليه وسلم ثم يخبر الله عز وجل نتيجة ما وقع مع أبي بكر وعمر الخيرين قال الله عز وجل {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى }
{إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ } أي يخفضون { أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ } هذه نتيجة بعدما سمع أبي بكر الصديق بهذا اللوم الشديد قال لا اكلم النبي صلى الله عليه وسلم إلا كأخي السرار ، قال : " والذي بعثك بالحق لا أكلمك بعد هذا إلا كأخي السرار " أي كالذي يهمس في أذن أخيه ويقول له سر .
كان نتيجة هذا الأمر وكان ما فعله عمر بن الخطاب أيضا من تراجعه عن رفع صوته حتى كان النبي صلى الله عليه وسلم يستفهمه فكان هذا نتيجة الأمر وهو أن { امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى } .
الوقفة الأولى لنا في هذه الآية مع قول الله عز وجل { امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ }:-
القلب وخطورة القلب وأهمية القلب ،يكتسب القلب أهمية خاصة وذلك لعدة أمور :-
1-  أن الله عز وجل أمر بتطهير القلب وتنقيته وتزكيته بل جعل الله سبحانه وتعالى من غايات الرسالة المحمدية تزكية الناس وقدمها على تعليمهم الكتابة والحكمة لأهميتها ، يقول تعالى : {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ }الجمعة2 ، قال ابن القيم رحمه الله : " في قوله تعالى {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } قال جمهور المفسرين من السلف و من بعدهم على أن المراد بالثياب هنا القلب ، وكأن الله عز وجل جعل من ركائز الدعوة الإسلامية في مهدها وفي بداياتها تطهير القلب {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ{1} قُمْ فَأَنذِرْ{2} وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ{3} وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ{4}} ولو حتى أجرينا الآية على ظاهرها فتطهير الثياب " الثوب الظاهر " فيه إشارة إلى تطهير الثوب الباطن قال الله عز وجل { وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ }{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ } ذكر ابن القيم لهذا التفسير أن الثياب في آية المدثر بمعنى القلب .
وكذلك يقول الله عز وجل عن اليهود والمنافقين { أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } فهذا سبب بارز ومهم للحديث عن القلب والاهتمام بالقلب أن الله عز وجل أمر بتطهيره وتنقيته وتزكيته وجعله غاية من غايات بعثة نبيه صلى الله عليه وسلم .
2- السبب الثاني للاهتمام بالقلب : اثر هذا القلب في حياة الإنسان فإن القلب هو الموجه والمخطط والأعضاء والجوارح تنفذ ، روي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : " القلب ملك والأعضاء جنوده فإذا طاب الملك طابت جنوده وإذا خبث القلب خبثت جنوده " .
القلب ملك البدن وملك الجوارح ، يحق لنا أن نهتم بهذا الملك ، فكثير من الأخوات تبحث في الخلل الظاهر في حياتها وتريد أن تعالجه مثلا : عندي تقصير ظاهر في الطاعات الواجبة مثل القيام لصلاة الفجر أو المحافظة على الورد أو بعض الأخوات تقول أنا عندي تساهل في الاستماع أو مشاهدة التليفزيون لاسيما إذا كانت عند أهلها أو عند الأسر التي لا تتحفظ عند مشاهدة التليفزيون  و أخت تقول عندي مشكلة في إطلاق اللسان في الغيبة وأخت تقول عندي مشكلة في القلب قلبي ممتلئ غيظا وبغضا لفلانة الفلانيه وأخت تعمل معها في الدين والعمل الدعوي و أخت أخرى عندها مشكلة في مسألة الحسد - لماذا فلانة الفلانيه تفعل وتفعل ؟ - آفات وأمراض كثيرة جدا .
هذه جميعها مظاهر تعكس خلل القلب لو استقام القلب لاستقامت الجوارح ولو أردنا فعلا أن نتخلص من هذه الآفات وهذه الأمراض نهتم بالقلب .
3- من الأسباب التي تدعونا نهتم بالقلب : انه اقل الأشياء ذكرا بين الناس فكثير ممن يطلب العلم وكثير ممن يسلك العمل الدعوي وكثير ممن يسير في الطريق إلى الله يغفل عن قلبه فنجد بعض الناس يعظم كثيرا من الأحكام الفقهية وبعض الناس يعظم من الأبحاث العقدية وبعض الناس يعظم من شأن القضايا السياسية والقضايا الفكرية وما الذي يحدث على الفيس بوك عنكم ببعيد معارك كلامية وكلام لا طائل من وراءه وتشبع بما لم يعطى الإنسان و ادعاء انه من أهل الفهم وهو بعيد عن ذلك ، سبحان الله غفلة شديدة جدا عن الدين .
فمن الأسباب التي تحثنا على الاهتمام بالقلب أن هذا القلب قد غفل عنه كثيرا حتى بين أهل التدين فكثير من الناس غفل عن البحث عن أعمال القلب وأحواله وعن البحث في أدوائه وعلله مع أن هذا خير لهم لو كانوا يعلمون .
4- أن كثير من المشكلات بين الناس لاسيما بين أبناء الدعوة ، أخوات العمل الدعوى ، أخوة العمل الدعوي بين بعض الدعاة أنفسهم سببها أمراض تعتري القلوب فهذه المشكلات تترجم أحوال قلوب أصحابها وما فيها من أمراض مثل الحسد والغل والكبر والاحتقار وسوء الظن والترفع على المسلمين ، فسبيل حل هذه المشكلات هو علاج القلوب ولننظر في قصة يوسف عليه السلام كيف دفع مرض قلب إخوانه إلى أن يلقوه في غيابات الجب ثم يبيعونه رقيق ؟ هذا من الحسد والغل الذي في قلوبهم .
5- أن سلامة القلب وخلوصه سبب لسعادة الدنيا والآخرة : فسلامة القلب من الحسد والغل والبغضاء وسائر الأدواء سبب للسعادة في الدنيا والآخرة كما قال عز وجل {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } وعندنا أمثلة من السلف ممن رزق قلبا سليما كان أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه أسيفا لا يملك نفسه إذا قرأ القرآن وكان من أشجع الناس وأثبتهم في المواقف الصعبة لكن لأنه كان يمتلك قلبا سليما نحسبه ولا نزكيه على الله .
6- أيضا من الأسباب التي تجعلنا نهتم بالقلب ما ورد عن عبد الله بن أبي جمرة احد أئمة السلف : " وددت انه كان من الفقهاء من ليس له شغل إلا أن يعلم الناس مقاصدهم في أعمالهم فما أوتي كثير ممن أوتي إلا من قبل تضيع ذلك " يبين لنا هذا الإمام أهمية تعليم الناس مقاصدهم في أعمالهم وتنبيههم على مفسدات الأعمال فانه كما أننا نشهد من يتخصص في أنواع العلوم كمن يتخصص في الحديث والفقه والتفسير وغيرها فنحن بحاجة إلى من يتقن الحديث عن مقامات القلب وأحواله وأعماله وعلله وأدوائه فيعلمها الناس ويصحح مقاصدهم ونياتهم .
7- ما أعطى الله لهذا القلب من مكانة وقدر في الدنيا وردت في النصوص فمثلا قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه مسلم عن أبي هريرة (( إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم )) وأيضا حديث النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه مرفوعا قال : (( ألا و إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب )) .
8- أن قول القلب أي تصديق الشهادتين أصل الإيمان أي ركن من أركان الإيمان و أن أصول عمل القلب أيضا من أركان الإيمان ، أصل الخوف و أصل الرجاء والخشية والمحبة والإنابة ومنها ما يجب فعله وهو الإيمان الواجب ومنها ما يكون من كمال الإيمان المستحب .
فلو نظرنا ما الذي يفرق بين المنافقين والمؤمنين الذي يفرق بينهم القلوب فهم في الظاهر يستوون في الأعمال الظاهرة لكن يفرق بينهم ويفترق منزلتهم عند الله عز وجل بما في قلوبهم .
مع ذكر أهمية القلب لابد أن ننبه على أمر خطير وهو أن كثير من الناس جعل جل أهمهم وصرفوا جل همهم إلى أن يبحثوا عما في قلوب الناس ، بعض الناس يشغل باله عن ما في قلب فلان ، الأخت هذه عندما قالت الكلمة الفلانية ماذا كانت تقصد ؟ وهذا التفات لما لم يلتفت إليه الشرع فان الشرع لم يخبرنا ولم يأمرنا بترتيب الأحكام على تنبؤ أعمال القلوب فإن عمل القلب وما بداخله لا يعلمه إلا علام الغيوب سبحانه وتعالى أما نحن فمأمورون أن نؤاخذ الناس بظواهرهم ونحسن الظن بالمؤمن ابتداءً ونكل سرائر الناس إلى الله عز وجل .
هذه كانت الوقفة الأولى من الآية مع القلب و أهميته .
الوقفة الثانية مع قول الله عز وجل { أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى }
{ أُوْلَئِكَ } اسم إشارة للبعيد ، الله عز وجل يخبرنا عن أناس مكانتهم بعيدة جدا وكأننا ننظر إليهم من بعيد ونقول { أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى }{إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ }قلنا أن هذه سببها الأساسي ما فعله أبو بكر وعمر من التوبة والإنابة إلى الله عز وجل من رفع أصواتهم واختلافهم أمام النبي عليه الصلاة والسلام وهي عامة في كل من يغض صوته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم واتفقنا في المرة السابقة أن يحدث كل منا مع نفسه اختباراً ومحاسبةً ، هل هو يتقدم بين يدي الله ورسوله ؟ هل هو يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم ؟ الأخوات وهي تجلس في خطبة الجمعة هل ترفع صوتها فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم أو عندما تجلس في مجلس العلم ترفع صوتها على صوت النبي صلى الله عليه وسلم ؟
كما قال القاضي أبو بكر بن العربي و أبو عياض وغيرهما : " أن حرمة النبي صلى الله عليه وسلم ميتاً كحرمته حياً ، وكلامه الذي يتلى عنه وهو ميت صلى الله عليه وسلم كحديثه وهو حي "
فليقف المرء مع نفسه هذه الوقفة هل هو فعلا يمتثل كلام النبي صلى الله عليه وسلم أم هو ممن يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم ويخشى عليه ان يحبط عمله وهو لا يشعر .
الآن نسعى أن نكون مع هؤلاء { الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى }هؤلاء صفتهم:-
أولا : إنهم يغضون أصواتهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا تكلم النبي في حضرتهم لم يرتفع صوتهم عليه و إذا تكلموا هم في حضرته لم يرفعوا صوتهم عليه هذا وهم عايشين .
ثانيا : أما بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إذا قرأت أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم يحترموها ويبجلوها فلا يرفعوا أصواتهم فوق صوت النبي إذا تليت أحاديثه .
ثالثا : أنهم في باب العمل الشرعي ( الأحكام ) لا يرفعون كلامهم و أصواتهم وأقوالهم فوق أحكام النبي صلى الله عليه وسلم و أحاديثه ، إذا قال النبي مثلا أن الأمر الفلاني حرام قالوا سمعنا واطعنا لا يرفعوا أصواتهم فوق صوت النبي ولا تأخذهم العزة بالإثم ولا يستكبرون ويستنكفون عن الانقياد والانصياع لكلام النبي صلى الله عليه وسلم .
من كانت هذه صفتهم هؤلاء منزلتهم عالية جدا { أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى } نقف مع كلمة امتحن ، ما معنى امتحن الله قلوبهم للتقوى ؟
يا عباد الله قلوبنا تمتحن صباح مساء في كل لحظة من لحظات حياتنا تمتحن قلوبنا ، تمتحن أي تختبر ، فهل نحن منتبهون لهذا الخطر ؟
هؤلاء نجحوا في الامتحان ، امتحنت قلوب أبي بكر وعمر فنجحوا .
بما تمتحن القلوب ؟!
تمتحن القلوب بالأمر كل ما جاء من أوامر عن الله سبحانه وتعالى وعن النبي امتحان واختبار للقلوب هل نتقبل هذه الأوامر ونقول سمعنا واطعنا أم سنعصى ؟ كل ما ورد من نهي عن الله سبحانه وتعالى وعن النبي امتحان للقلوب ، كل ما ورد من ابتلاءات وأحداث مؤلمة ووقائع مؤسفة للإنسان هي من الابتلاءات للقلب والاختبارات للقلب أيصبر أيرضى ويسلم أيري الله من نفسه خيرا أم يجزع ويتمرد ويظنن بربه ظن سوء ؟
اكرر أيها الأخوات الفضليات قلوبنا ممتحنة صباح مساء نمتحن في كل لحظة من لحظات حياتنا فهل نحن منتبهون لهذا الامتحان ؟
اعلموا أن غلطة واحدة قد تودي بحياة هذا القلب وتحبط العمل وسبق لنا تحذير شديد في الآية السابقة { أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ } فلنكن على حذر وعلى تذكر من هذا الأمر ، والله عز وجل يقول { وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ }.
الله عز وجل يمتحن القلوب ولا مجاملة في هذا فإن أجل المسلمين قدرا وأعلاهم كعبا بعد النبي صلى الله عليه وسلم هما الخيران أبي بكر وعمر ومع ذلك امتحن الله قلوبهما ولكنهم نجحوا في الامتحان ، ما معنى نجحوا في الامتحان ؟
لما عوتبا قالا ربنا ظلمنا أنفسنا أي تابا وأنابا وغيرا من طريقتهما واستغفرا واقسم احدهما وهو أبي بكر ألا يكلم النبي صلى الله عليه وسلم إلا سرا كأخي السرار والآخر وهو عمر كان إذا تكلم عند النبي لا يرفع صوته حتى يستفهمه النبي صلى الله عليه وسلم ، فهؤلاء خرجت نتيجة امتحانهم { امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى } هل تصلح هذه القلوب للتقوى ؟ اختبرهم بأمر ونهي واختبرهم بابتلاء ، هل تصلح القلوب للتقوى أم لا تصلح ؟ فكانت نتيجة امتحانهم أن تصلح قلوبهم للتقوى فاخلص الله قلوبهم للتقوى حتى أصبحت لا تصلح إلا له سبحانه وتعالى .
فهذا الامتحان نتعرض له جميعا ولكن يا ترى ماذا عن أحوالنا نحن ؟
كل أخت تسمعني الآن تستشعر هذا المعنى ، كم مرة امتحنت في حياتها ؟ كم مرة امتحنت بالأوامر الشرعية والنواهي ؟ كم مرة امتحنت بالأقدار المؤلمة التي لا تحبها ؟ كم مرة امتحنت بالأحداث المؤسفة التي تمر عليها ؟ كم مرة .... وكم مرة ... ؟
كم امتحان رسبنا فيه ونحن لا نشعر ؟ كم امتحان أخفقنا فيه ولم ندري ؟
أذكركم مرة أخرى{ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ } فيا عباد اله لابد من إفاقة ولابد من انتباهه ولابد من الحذر فان القلوب تمتحن وقد يرسب العبد في الامتحان وهو لا يشعر وقد يكتب في سجل الأشقياء وهو لا يشعر والله سبحانه وتعالى { لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَـكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } .
نقف مع حديث مهم من أحاديث امتحان القلوب يوضح هذا المعنى ، حديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((تعرض الفتن على القلوب " الاختبار والامتحان يكون للقلب " كعرض الحصير عودا عوداً " مثل أعواد الحصير عندما نقوم بعمل حصيرة " أو عَوداً عوداً " الفتن والاختبارات للقلب لا تنقطع وهذه فيها فائدة مهمة بعض الناس يقول سأتوب يوما ما إذا تحسنت الأوضاع وتحسنت الأحوال وتخلصت من هذه الفتن أقول له انك واهم فان الفتن كما اخبر النبي كموج البحر ، هل أيتها الأخوات الفضليات سمعتن يوما عن بحر قضت أمواجه مستحيل فقال النبي ( بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم ) وقال : ( بادروا بالأعمال فتنا كموج البحر ) فالفتن كموج البحر أو عندما قال عمر بن الخطاب اخبرني عن الفتنة فقال فتنة الرجل في أهله وماله وزوجه وتكفرها الصيام والصدقة ، قال أليس عن ذلك أسألك ولكني أسألك عن الفتن التي تموج كموج البحر ، ((تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودا عوداً " اختبارات بالليل والنهار هناك أناس تبصر وأناس قد عميت وناس تشعر وناس قد فقدت الإحساس في ناس تحذر وناس غافلة وناس تعد العدة وتبادر بالأعمال فتنا وناس تحبط أعمالها بسوء صنيعها ، أسأل الله أن يسترني وإياكم في الدنيا والآخرة و أن يجعلني ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه " فأي قلب أشربها " أي قلب تمر عليه هذه الفتنة فيشرب هذه الفتنة "  نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها " ردها " نكتت فيه نكتة بيضاء " نجاح الإنسان في الامتحان يكون أولا بنجاح قلبه الذي يرد الفتنة هو القلب ثم بعد ذلك الجوارح تنفعل ، الذي يقع في الفتنة أولا هو القلب ، لذلك إذا قالت أخت أنا أقع في الذنوب الفلانية ( يا رب تب علينا جميعا ، يا رب تب علينا توبة نصوحة ترضى بها عنا ) أقول لها أنتِ لم تقعي في الذنب هذا ظاهرا إلا عندما وقعتي فيه باطناً ، القلب أولا كانت به مشكلة ثم ترجمت إلي الجوارح ".
فائدة نفيسة من فوائد شيخ الإسلام رحمه الله : يقول ابن القيم كان شيخ الإسلام يقول لنا (طلبة العلم ) : " لا تجعل قلبك كالإسفنج يتشرب الفتن تشربا إنما اجعل قلبك كالزجاجة يبصر الفتنة بصفائه ويردها بصلابته " .
لو حضرتكم الآن أمامكم كوب ماء من الزجاج الشفاف ، هذا الكوب يمنع الماء من الخروج منه فيكون هذا صد للسائل أن يخرج منه وفي نفس الوقت نحن نرى السائل جيداً ، هذا هو المطلوب في القلب أن يكون مثل الزجاج فلو قلبي مثل الزجاج إذا جاءت فتنة القلب الزجاج يبصرها بصفائه ويردها بصلابته أما إذا كان مثل الإسفنج يتشرب الفتنة ، هذه مصيبة يتشرب الفتنة إذا انضغط ينزل فتن .
المعنى هذا مرة أخرى نحن عندنا أسفنجه وهناك سائل مسكوب على المكتب و أنا وضعت هذه الأسفنجه فامتصت كل السائل عندما امسك الأسفنجه في يدي وأعصرها ينزل منها السائل الذي تشربته ، القلوب هكذا ، إذا كان هناك قلب متشرب الهوى ومتشرب الفتن ومتشرب الخواطر السيئة ومتشرب الإرادات الفاسدة ومتشرب الكبائر الباطنة مثل سوء الظن بالمسلمين والحسد والكبر والعجب والرياء عندما يتم ضغط القلب والقلب يتم ضغطه أثناء الامتحان والابتلاء ضغطة القلب هذه وعصرته تنزل فتن ومعاني سيئة ومخرج قبيح عكس الإنسان الذي يمتلأ قلبه حكمة وإيمان ووحي وهدى إذا تعرض للمحن والابتلاءات والعصرات فيعتصر قلبه فتخرج منه في أوقات الفتن يخرج من قلبه أجمل المعاني ويخرج من قلبه أسمى المواقف و أعلى الأقوال ، فالمسألة مسألة قلوب .
(( فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء " ينير نحن الآن أمام قلبين وكل فرد منا يسأل نفسه الآن كم نكتة في قلبي سوداء ؟ وكم نكتة في قلبي بيضاء ؟الموضوع لا يقف عند هذا بل نستمر حتى تصير القلوب على قلبين قلب ابيض امتلأ بالنور ، سؤال هل هذا القلب الأبيض لا يعصي ؟  يعصي ولكن المعصية أشبه بحبات التراب والرمل التي تقف على الرخام الأملس وهذا وصفه ، قلب ابيض مثل الرخام وأعلى درجات الرخام لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض أي اختبار وأي فتنة وأي امتحان ربنا ينجيه منها ، هل هذا لا يقع في المعصية ؟ بل يقع لكن تخيلوا أن عندكم رخام أملس ومن النوع الممتاز وأجود الأنواع وقع عليه قليل من التراب كم يستغرق إزالة هذا التراب ؟ لا يستغرق شيء اقل مجهود يزيل هذا التراب ، إذا أضفنا إليه بعض قطرات من دمع الخشية فهل يستقر على هذا القلب الأبيض الذي مثل الصفا أي غبر و أي قطر و أي تراب وأي قذر ؟ أبدا والله ، هذه هي الغاية التي نريد أن نصل إليها ".
أريد أن أضع لنفسي هدف ، أن يكون قلبي ابيض : أي مشرق يمتلأ بالوحي والإيمان والهدى والحكمة ويمتلئ بمحبة الله عز وجل ويمتلئ بأعمال الإيمان وطاعات القلوب ، هذا هو الأساس ، هذا أول هدف .
الهدف الثاني : هذا القلب المضيء الأبيض إذا وجد في بيئة مظلمة سوف يبدد الظلام الذي بها ، إذا كان هناك أخت فعلا قلبها ممتلئ نورا وحكمة ووحيا وجلست في وسط مجموعة قلوبها مسودة من المعاصي سوف تنشر فيهم نورا وسوف تنشر فيهم حكمة وهدى ، القلب المضيء سوف يضيء ما حوله من قلوب مظلمة .
الهدف الثالث : أن هذا القلب صلب ولكن ليس قاسي ، نحن عندنا الأشياء موائع مثل السوائل وصلب " لا يكن أحدكم إمعة يقول إن أحسن الناس أحسنت و إن أساءوا أسئت ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا و إن أساءوا إن تجتنبوا إساءتهم " القلب الإمعة أن يكون معاهم معاهم وعليهم عليهم ، الأخت تجلس في بيئة تقوم بعمل معاصي تعصي مثلهم ، تذهب لزيارة والدتها أو حماتها أو صديقة لها أو قربية وهم يشاهدون التليفزيون ويسمعون قنوات غير منضبطة ومسلسلات تجلس معهم ، تجلس مع الأخوات في المسجد وهم يسمعون القرآن ويقرءون في السيرة والتجويد تجلس معهم ، هذا أمر خطير هذه إمعة ليس لها شخصية إيمانية مستقلة قوية ، أما القلب الأبيض مثل الصفا أي ليس قماشه رخوة وليس سائل بل رخام أينما وضع فهو رخام لا يتغير ، صلابة الحق به ليس إمعة يؤثر فيمن حوله ولا يتأثر بما حوله من الباطل .
" حضرت الإمام احمد الوفاة فقالوا يا إمام قل لا اله إلا الله ، قال : لا لا ، فأصابهم غم شديد فلما آفاق ، قالوا : قلنا لك قل لا اله إلا الله فقلت : لا ، قال : عرض لي الشيطان وقال نجوت مني يا احمد ، فقلت له :لا لا " هذه في سياقة الموت {وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ } اشد لحظات على الإنسان لحظات خروج الروح لذلك كان سفيان الثوري رحمه الله يقول : والله ما ذنوبي عندي أهون من هذه وامسك بقشه من الأرض ولكني أخشى سوء الخاتمة .
( نسأل الله رب العالمين أن يرزقني و إياكم حسن الخاتمة )
لا يجوز الإنسان أن يقول إن الامتحانات ستنتهي لكن إذا كان قلب الإنسان ابيض مثل الصفا ينجح في كل الاختبارات ما دامت السماوات والأرض أي ينجح أبدا ، لا تضره فتنة مادامت السماوات والأرض ينجح في كل ما يعرض له من اختبار .
القلب الآخر والعياذ بالله قلب أسود مربادا " قذر شديد السواد في البياض أي متسخ  " كالكوز " الإناء - الكأس " مجخيا " مقلوبا " ، لا يعرف معروفا و لا ينكر منكرا، إلا ما أشرب من هواه .
نقف مع هذا القلب لأنه خطير جدا : أسود ، أسودّ من الخطايا والمعاصي ( يا رب طهر قلوبنا ونقي قلوبنا يا رب ) مشكلة كبيرة جدا ، كل معصية تسود جزء من القلب ، الإنسان يغفل ولا يتوب يسود جزء ويؤخر التوبة وتأخير التوبة ذنب يحتاج إلى توبة والذنوب تتضاعف بحسب ما في قلب صاحبها ، فالذنب قد يكون صغيرا ويضاعفه الاستهانة به ويضاعفه المجاهرة به ويضاعفه الإصرار عليه ويضاعفه أن يخاف الإنسان أن يطلع عليه الناس فيه ولا يخاف من اطلاع الله عز وجل عليه ، القلوب يسودها الخطايا والمعاصي .
وهنا وقفة ولا أقول وقفة بل همسة : من تشكو من سواد حياتها و أن حياتها مظلمة أو كئيبة ، أقول من كان يشعر انه يعيش حياة كئيبة فليعلم أن في قلبه سبب لهذه الكئابة وهذا السواد فليراجع نفسه وليراجع حياته ، سوف تقول لي أنا أخت منتقبة ومتدينة ، أقولك لك : يا أختي اتقي الله المعاصي معاصي ظاهرة وباطنه ، الإعجاب بالنفس معصية ، سوء الظن بالمسلمين معصية ، الغيبة معصية ، التطلع لما في أيدي الناس معصية ، حب الدنيا والحرص عليها وامتلاء القلب بها رأس كل الخطايا .
فالقلب الأسود الذي امتلأ سواد بسبب الخطايا والمعاصي وليس اضر على الإنسان من مخالطة أصحاب القلوب السوداء ، مخالطة الإنسان السيئ صعبة .
من يقول لي أنا قلت إن الأخت ذات القلب الأبيض إذا خالطت  هؤلاء فهي تجلس تبدد الظلام عندها لا تستقبل السواد منهم هناك فرق ، فالأخت ذات القلب الأبيض تجلس تبدد الظلام في من حولها لكن لا تستقبل السواد الذي في قلوبهم وهذا أمر في غاية الأهمية أن تكون مؤثرة وليست متأثرة .
مربادا " متقذرا – نجاسات القلب – قذارات القلب ( الإرادات الفاسدة والخواطر السيئة ، الإنسان دائما يشغل قلبه بالمعاني السيئة والمعاني الباطلة ويتمنى الحرام ويريد الفساد فهذا يضعف من عزم القلب ويقلل من سير القلب إلي الله عز وجل " كالكوز مجخيا " نقوم بعمل تجربة : لو كل أخت قلبت الكوب الذي أمامها على المكتب لو جلسنا نسكب الماء مدة طويلة هل يدخل في هذا الكوب قطرة ماء ؟ لا كذلك القلب المنكوس كالكوز مجخيا  " ، لا يعرف معروفا و لا ينكر منكرا، إلا ما أشرب من هواه " الهدى والحكمة والإيمان الذي يدخل فيه قليل أو يكاد ينعدم إلى أن يشاء الله سبحانه وتعالى ".
أمر صعب جدا يحتاج إلى إعانة وتثبيت من الله حتى يعتدل هذا الكوز مرة أخرى ويستقبل الهدى والحكمة ، أمر خطير ومهم ، لابد للإنسان أن ينتبه إلى قلبه .
إذا كان قلب الإنسان كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا و لا ينكر منكرا، الشاشة التي أمامه الموجود بها الضمير وفيها واعظ إلي الله في قلب كل مؤمن وفيها ان يعرف المعروف والمنكر ويتألم من فعل المنكرات تكون منطفئة ومغلقة {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً } عقوبته { وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ } هذه هي العقوبة ، عقوبة خطيرة .
لا يعرف معروفا و لا ينكر منكرا، إلا ما أشرب من هواه ، يتحول الإنسان إلى إنسان سيئ جدا يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف ليس عنده مبدأ وليس عنده شرع يحكمه إنما دينه اللذة والحلال عنده ما يستطيع أن يصل إليه والحرام عنده ما يعجز عنه ، ليس عنده ضمير يبني مجده على هدم غيره ، إنسان سيئ دينه اللذة والحلال عنده ما يستطيع أن يصل إليه والحرام عنده ( نعوذ بالله من حلال أهل الهواء ).
{ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى } القلوب تمتحن ومعنى أن يمتحنها الله أي يجعلها خالصة له أو يطهرها من كل قبيح فتصلح إلي أن تكون محلا للتقوى وهذه فيها فائدة : الله عز وجل حكيم يضع الأشياء في مواضيعها فإذا اختص إنسان بالتقوى علمنا أن هذا الإنسان يصلح لها .
أيضا في تفسير القرطبي : يذكر معنى جميل في مسألة { أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى } يقول : امتحن قلوبهم كقولك امتحنت الفضة أي اختبرتها حتى خلصت وقال : امتحن اشتعل من محنت الأديم ( الجلد ) محناً حتى أوسعته فمعنى { امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى } أي وسعها وشرحها للتقوى .
سؤال : هل كل قلب يصلح أن يكون تقيا ؟
الله عز وجل يمن على من يشاء من عباده ، هناك قلوب نجسه ، قلوب لا تقبل التقوى مثل الأرض هل كل ارض يصلح أن نزرع فيها زرع وينبت ؟أم هناك ارض خبيثة لا تخرج إلا نكدا ، كذلك هناك قلوب لا تقبل الخير ولا تقبل الحق كما في حديث أبي موسى الأشعري " مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً " أقسام القلوب كأقسام الأرض فمنها " نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب " هذا من تعلم العلم الشرعي وفهم جيدا وحفظ وعمل والنوع الثاني " أجادب أمسكت الماء " حفظ السنة وحفظ أحاديث لكنه لم يستنبط منها أحكام والنوع الثالث " أنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ " هذه هي القلوب السيئة التي لا تقبل الهدى ولذلك الله عز وجل يقول { وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } .
عندما تناقش أخت امرأة ليست متدينة وتقول لها ربنا يتوب عليكِ فترد وتقول ربنا يهديني لما ربنا يهديني سوف اعمل تقول لها الله تعالى قال { وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }{ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } الله تعالى لا يحرم أحد من الهدى وهو يستاهله ، من يحرم من الهدى لان ربنا حكيم يضع الهدى في موضعه ويضع التقوى في موضعها{ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى }فيال سعادتهم { لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ }لهم مغفرة من الذنوب ، المغفرة لها معنيان : -
المعنى الأول : الوقاية من أثر الذنب ولذلك يسمى المغفر ( الخوذة التي تضع على الرأس لأنها تقي الرأس من ضربات الحرب .
المعنى الثاني : المغفرة معناها الستر أن يستر الله عز وجل هذا الذنب فلا يفضح صاحبه ( نسأل الله أن يسترنا بستره الجميل في الدنيا و الآخرة و أن يجعل تحت الستر ما يحب ويرضى ) .
{ أُوْلَئِكَ } أي هؤلاء أصحاب المنزلة الكبيرة الذي امتحن الله قلوبهم للتقوى فنجحت قلوبهم في الامتحان فاستحقت التقوى وخلصت للتقوى واتسعت للتقوى { لَهُم مَّغْفِرَةٌ} من الله سبحانه وتعالى وستر لذنوبهم {وَأَجْرٌ عَظِيمٌ } ولا يعلم قدر الأجر العظيم إلا صاحبه سبحانه وتعالى وهو رب العالمين ، قال تعالى {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } فهذه الآية العظيمة كان فيها الثناء على من غض صوته عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يشمل خفض الصوت عنده حيا وبعد وفاته عند قراءة حديثه .
ثانيا خفض الصوت بمعنى عدم تجاوز أحكام النبي صلى الله عليه وسلم : إشارة واضحة في هذه الآية إلى إصلاح القلوب لقوله تعالى { امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى } وما قال امتحن أبدانهم فدل على أن الأمر عائد على القلب ، عظيم فضل الله سبحانه وتعالى حيث غفر لهم و أعد لهم أجراً عظيماً .
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق