>

الخميس، 27 سبتمبر 2012

" وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ "



إنّ الحمد لله نحمده و نستعين به و نستغفره و نعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا , من يهد الله فلا مضلّ له و من يضلل فلا هادي له و أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له و أشهد أنّ محمدا عبده و رسوله .
و بعد , فإنّ أصدق الحديث كتاب الله تعالى و خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه و آله و سلم و شرّ الأمور محدثاتها و كلّ محدثة بدعة و كلّ بدعة ضلالة و كلّ ضلالة في النّار.
مازال حديثنا عن قول الله عز و جلّ :" وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ " و ذكرنا أنّ التواصي بالحقّ هو أحد مكوّنات طوق النجاة و هو أحد أركان الشخصية المسلمة المتكاملة و التي هي اللبنة الأولى في بناء التغيير و تكلّمنا في مسألة التواصي بالحقّ عن أهميّة النصيحة و عن فوائد النصح و اليوم إن شاء الله عزّ و جلّ نتكلّم عن آداب النصيحة .
في البداية نحب أن نعطي تصوّرا عن عملية النصيحة .
تتكوّن عمليّة النصيحة من عدد من المكوّنات: الناصح و المنصوح  و موضوع النصيحة أو المنصوح به.

لو أنّ هناك سلامة في انضباط هذه المكوّنات الثلاث النصيحة تؤتي ثمارها و على قدر ما يكون هناك خلل في واحد من هذه المكوّنات على قدر ما سيكون هناك عدم قبول للنصح أو عدم استفادة منه أو عدم ظهور ثمرة عاجلة لهذا النصح .

1.             النّاصح: الإنسان الذي سينصح ,
 ما هي الشروط و الآداب التي عليه مراعاتها؟
أ‌.       التجرّد في النصيحة لله عزّ و جلّ:
 إذا نصح إنسانا تجرّد لله عزّ و جلّ و هو الإخلاص. الإخلاص معناه أن يكون الباعث – و هو ما يحرّك الإنسان و يدفعه إلى النصح – ابتغاء وجه الله عزّ و جلّ و الدّار الآخرة . فلا يحرّكه لبذل النصيحة إلاّ ابتغاء وجه الله عزّ و جلّ و الدّار الآخرة .

صور من الخلل عند فقد أدب الإخلاص و التجرّد : 
·         تكون النّصيحة ردّة فعل : كأن تسمع أخت من أختها نصيحة فتغضب و تغتاظ فتقوم هي بدورها بالنصح ,قد تكون هذه النصيحة حقيقيّة . فالسؤال الذي يطرح على هذه الأخت هل نصيحتك لله أم هي ردّة فعل؟ علينا أن ننتبه لمثل هذا ! 

·         تكون النصيحة من باب البغض: كأن ترى أخت عيبا في أختها و هي لا تحبّ هذه الأخت – طبعا هذا الكلام لا يستقيم لأنه لا يصحّ أن نقول أنّ أختا لا تحبّ أختا لأنّ الله سبحانه و تعالى قال إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ " فرابطة الأخوّة رابطة قويّة- لكن من باب الاصطلاح أنّها لا تحبّها فتقوم باتّخاذ عيوب الثانية ذريعة تحت مسمّى النّصح . الباعث عندها ليس أنّها تبتغي الله عزّ و جلّ و الدّار الآخرة أو أن تفعل النّصح المشروع و إنّما هدفها مضايقة هذه الأخت و تظهر لها عيبا عندها .

هذا أمر في غاية الأهميّة : أوّل الآداب و أوّل الأمور التي تراعى في النّاصح أن يكون متجرّدا في نصيحته لله عزّ و جلّ و أن يكون مخلصا . لذلك نقول أنّ الأخت لو أرادت أن تنصح أختها و لم تجد نيّة فلتتوقّف قليلا مع نفسها , تستجمع قلبها و تستحضر نيّة صالحة قبل أن تقدم على هذا العمل .

من فوائد الإخلاص:
·         البركة : و هو أنّ النصيحة يكون فيها بركة .
·         وصولها إلى القلب  في يسر و سهولة
ب‌.  العلم:
و هو أن يعلم الإنسان ما ينصح به . قال النبيّ صلّى الله عليه و سلّم :" قتلوه قتلهم الله " في الحديث الذي روي عن جابر قال : خرجنا في سفر ، فأصاب رجلا منا حجر ، فشجه في رأسه ، ثم احتلم فسأل أصحابه : هل تجدون لي رخصة في التيمم ؟ فقالوا : ما نجد لك رخصة ، وأنت تقدر على الماء ، فاغتسل فمات ، فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك ، فقال : قتلوه ، قتلهم الله ، ألا سألوا إذ لم يعلموا ، فإنما شفاء العي السؤال ، إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب على جرحه ، ثم يمسح عليه ، ويغسل سائر جسده

لا يصحّ أبدا أن يتصدّر شخص ما بالنصح في موضوع دون أن يكون له علم بما ينصح به . لو راجعنا معنى النصيحة : هي الصفاء و سدّ الخلل  و بذل غاية الخير للمنصوح . إذا يكف يمكن النصح في أمر لا يجيده النّاصح؟ فلو استنصحت أخت في مسألة ما و ليس لها علم بذلك تقول لا أدري, نصف العلم لا أدري. كلمة "لا أدري" كلمة مريحة ليتنا نتعلّمها. لكن التبرّع بالفتيا و بالأحكام لا يصحّ فأجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النّار . قد تقول الأخت أنا لا أفتي و إنّما أنقل المعنى الذي بالحديث ليس شرطا الفتوى بحكم فقهي و إنّما في كلّ شيء حتّى الأمور الحياتيّة إن كنت لا تعرفين فقولي لا أعلم, لكن أن يتصدّى الإنسان لما لا يحسنه و ما لا يعلمه يورّط من نصحه و هذا غشّ و ليس بنصيحة . و ليتنا نعوّد أنفسنا على البحث  : أخت تسألك سؤالا فتقولين لا أعلم ثمّ تبحثين  في كلام العلماء , في الكتب المتخصّصة في تلك المسألة ,في الأبحاث المتخصّصة في شريط ... بذلك يصبح لدينا ثراء في المعلومة و نحصل على معلومة موثّقة .

فكثير من النّاس تسارع إلى إبداء آراء  غير متعقّلة  و هنا تجدر الإشارة إلى جزء مهمّ و هو أنّ بعض الأخوات  تعتقد أنّ كونها منقبة فعليها أن تقوم بالدور كاملا سواء في البيت أوفي العمل أو في الكلية أو في المسجد... فتبدأ بالنصح في كلّ شيء و هذا لا ينفع فالبخاريّ رحمه الله صنّف كتابا سمّاه " باب العلم قبل القول و العمل" و ذكر قول الله عزّ و جلّ :" فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ " .
فالإنسان إذا تصدّر للنصيحة في أيّ موضوع , من باب النصيحة للمسلمين, يقول لاأعلم إن كان لا يعلم و إلاّ فينصح  لكن لا يتصدّى أبدا لما لا يحسنه و لا لما لا يعرفه .
ت‌.  ألاّ يكون النّصح على شرط القبول:
الشرط الثالث ألاّ يكون النصح على شرط القبول و كأنّه نوع من فرض الرّأي .
مثال: أخت عندها مشكلة في حفظ القرآن, و وسائل حفظ القرآن كثيرة – عن طريق النت, أو في المسجد  أو في دار قرآن أو مع أخت لها- فتستنصح أختا لها فتخبرها أنّه يلزمها وسيلة معيّنة من الوسائل. لماذا تلزميها؟ المفروض أن تدرسي ظروفها و تبحثي عمّا يناسبها و من ثمّ تقولين لها : من رأيي كذا و كذا. فهناك فرق بين : افعلي كذا و رأيي أنه يمكنك فعل كذا.
فلا يمكن أن يكون النصح من باب فرض الرّأي أو التسلّط . هناك كثير من النّاس عندهم هذه الصفة دون أن يدروا ذلك و هي صفة ذميمة جدّا , صفة التسلّط و فرض الرّأي , و ليس لزاما أن تكون في الأمور الشّرعية بل و في الحياتيّة أيضا. ينتج عن ذلك معارك و منافحات بسبب ذلك.

فالنصيحة تكون بصيغة : يمكنك القيام بكذا أو أنا رأيي كذا... و نرجو أن تستعمل هذه الصيغة في  نصح الزّوج أو والدها أو والدتها أو أيّ شخص له عليها درجة فتقول هل نفعل كذا أو هلاّ فعلنا كذا. حتّى مع الأطفال , سبب هروب كثير من الأبناء من البيت ما إن تنتهي مرحلة الطفولة  , أو يخرج من طوع الأب و الأمّ و يضع في أذنيه شمعا فلا يستمع لأيّ نصح من الأب أو الأم  و لو سمع نفس النصيحة من أصحابه فسيقبله , و السبب في ذلك هو التعوّد على لهجة الأوامر و القهر و التسلّط في البيت . هذه نقطة مهمّة يجب مراعاتها , فإن كان هناك نصيحة فلتكن على صيغة هلاّ لو فعلت كذا  ..؟
ث‌.  أن تكون النصيحة بعيدة عن سوء الظنّ :
أي أن تكون النصيحة موضوعيّة  لأنّ كثيرا من النّاس نصائحهم ليست نصائح و إنّما هي عبارة عن اتّهامات مبنية و مؤسّسة على سوء الظنّ و هذا النوع من النصائح لا يمكن أن يكون ناجحا .

مثال: تظنّ أخت أنّ أختها تغيّبت عن الدرس تهاونا منها أو لسبب غير مقبول –هذا ما وقع في نفسها و هذا هو الظنّ الذي لا يصحّ أن تبني عليه أحكاما- فعوضا من أن تستفسر عن سبب غياب الأخت  تؤنّبها بسبب "التهاون" و لكن ما إن تعلم بأنّ سبب غياب الأخت مقبول تعتذر منها , لكن إيّاك ممّا يعتذر منه .
إيّاكم و سوء الظنّ! إيّكم و الظنّ فإنّ الظنّ أكذب الحديث. فالنصيحة لا تبنى على أوهام و إنّما يجب أن تكون موضوعيّة ,أي أن تتعلّق بموضوع واضح و لها تحقّق .
يدخل أيضا في هذا الباب من ينصح اعتمادا على كلام نُقل له , مثلا أخت ينقل إليها أنّ أختا فعلت كذا فتذهب إليها و تهاجمها بشدّة من دون أن تتثبّت و تستفسر عمّا حصل . هذا يسمّى النصح على النّقل و هو أمر في غاية الخطورة .
إذًا إن وصلك كلام ليس من صاحب الشأن مباشرة , فلا ترتّبي عليه عملا و لا ظنّا و لا تدخليه في حيّز التنفيذ حتّى تتثبّتي .

ج‌.    التواضع للمنصوح:
كان المسيح عليه السلام فيما يروى عنه أنّه قال:" لا تنظروا في ذنوب النّاس على أنّكم أرباب و لكن انظروا في ذنوب النّاس على أنّكم عبيد " , يعني إذا أبصرت موضع خلل من أخت لك فعليها أن تقول في نفسها بأنّه عندها أضعاف هذا الخلل فيتولّد بذلك نوع من التواضع و لا يكون هناك استعلاء و يغيب ما يسمّى بأسلوب الأستاذيّة  .
من الخطإ أن تتقمّص الأخت دور "أبلة النّاظرة " خصوصا مع الزوج , هناك مقال جميل للدكتورة إيمان قدّوسي .
من آداب النصيحة أن يكون النّاصح متواضعا و أن يتذكّر دائما بأنّ له عيوبا كثيرة و أنّ الله عزّ و جلّ هو الستّير و هو من تغمّده بستره و رحمته سبحانه و تعالى , فينصح على جهة التعبّد و ليس على جهة الإستعلاء و أسلوب الأستاذيّة .
ح‌.    أن لا يحقر المسلم أخاه عند نصحه:
قيل لبعض السّلف : أتحبّ أن يخبرك أحد بعيوبك ؟ فقال : إن كان يريد أن يوبّخني فلا . أي أنّ النصيحة لا تكون للإزدراء و لا لانتقاص.

خ‌.    أن تكون سرّا ما أمكن:
كما قال الشّافعيّ رحمه الله :
        تغمّدني بنصحك في انفرادي     و جنّبني النّصيحة في الجماعة
      فإنّ النصح بين النّاس نوع          من التوبيخ لا أرضى استماعه

كلّما استطعتِ أن تكون النصيحة سرّا , لا تعرضي عن السريّة و تجعليها في العلن . إذا نحرص على ان تكون النصيحة في السرّ على قدر المستطاع.
في بعض الأحيان يكون من الأفضل أن يكون النصح جهرا , كما في حديث النبيّ صلى الله عليه و سلم مع سليك الغطفانيّ  جاء سليك الغطفاني يوم الجمعة . ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد على المنبر . فقعد سليك قبل أن يصلي . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " أركعت ركعتين " قال : لا . قال : قم فاركعهما (مسلم في صحيحه)

2.    النصيحة:
من شروط النصيحة:
أ‌.        الإيجاز:
من شروط النصيحة الإيجاز فإنّ النّاس يملّون من سماع الكلام معادا و مطوّلا . قالت العرب :" البلاغة الإيجاز" .
ممّا يجعل كلام النساء يطول هو كثرة تكرار الكلام دون أيّ داع. إذا نحتاج إلى ضبط الكلمات و ضبط اختيار الكلمة.
ب‌.  عدم المبالغة و وضع الأمور في نصابها:
و هو تجنّب التهويل. التهويل من الصفات التي تكثر في أوساط النساء. علينا أن نضع الأمور في نصابها , أخت ارتكبت خطأ , على النّاصحة أن تحدّد حجم الخطإ فتبتعد بذلك عن التهويل.
من أخطار التهويل هو إساءة التقييم  و يبعد عن الموضوعيّة.
ت‌.  الحكمة:
و هي مسألة تقييم الشخص المقابل .
الحكمة تشمل عدّة نقاط:
·         الحكمة في تقييم الشخص المقابل: هل هو جاهل أم هو مصرّ على المخالفة؟ الجاهل يحتاج إلى رفق و لين و إلى معرفة الحكم أمّا المصرّ على المخالفة بعد معرفة الحكم يحتاج إلى الوعظ , كأن تذكّريه بالجنّة و بالموت و بالقبر .
·         الحكمة في اختيار الوقت : لا أنصح الأخت و هي في وقت متضايقة فيه و مضغوطة نفسيا 
·         الحكمة في طرح النصيحة : هل هذه النصيحة بهذه الطريقة ستأتي بالمرجوّ منها أم لا ؟ إن كانت الناصحة ترى بأنّها إن بذلت النصيحة فإنّها ستاتي بنتيجة عكسية إذا فمن الحكمة عدم النصح.
·         الحكمة في تكرار النصيحة:  هل أكرّرها أم لا؟ و كم مرّة؟

ث‌.  أن تكون خالية من ألفاظ التفسيق و التجهيل:
يجب البعد عن صبّ جمّ الغضب أثناء النصح. لا يصحّ أن تقول الناصحة للأخت مثلا : هذا فعل من ساء أدبه و عدمت تربيته ... بل عليها أن تستخدم ألفاظا رقيقة .
ج‌.    استخدام الألفاظ الرقيقة في النصح:
عندما أرسل الله عزّ و جلّ موسى عليه السلام إلى فرعون قال له :" فَقُولا لَهُ قَوْلا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى " فحسن الأسلوب و لين الأسلوب أمر في غاية الأهميّة في مراعاة آداب النصيحة .

ح‌.   أن تكون النصيحة واضحة:
  لأنّ الإنسان إن عرض نصيحة متداخلة , مشوّشة , لا يعرف أوّلها من آخرها فإنّ المنصوح لا يتأثّر و لا يفهم المراد منه و قد يعرض عن قبول النصيحة .
هناك فرق بين النصيحة الموضوعيّة و النصيحة بالإنطباعات . إذا أردت أن تنصحي أختا في مسألة فعليك أن تحدّدي الموضوع , عليك أن تحدّدي النقطة التي ستتكلمين فيها و يكون كلامك مبنيا على دليل و لا يكون مبنيا على الظنّ و يكون لديك علم في هذه المسألة , ليس الأمر تخرّصات . لذلك الشيخ محمد إسماعيل حفظه الله لو قال له أحدهم :انصحني, فيقول له أنصحك في ماذا؟ في طلب العلم , في التقوى , في تربية النّفس , في تربية الأبناء... فهو يطلب أن يحدّد مجال النصيحة . هذا يعكس جديّة الشيخ حفظه الله في النصح فهو يرى أنّ النصيحة أمانة في حقّ كلّ مسلم.
إذا أردت أن تنصحي فعليك أن تتحرّي و أن تتثبّتي , و لا مانع إن طلب منك نصيحة عامة أن تنظري في حاله عموما و تنصحينه بالمناسب له .

خ‌.    أنّ الإنسان إذا نصح نصيحة أن يعمل بها :
من الآداب إذا نصح الإنسان بنصيحة أن يعمل بها فلا يكون هناك انفصام بين كلامه و نصحه للناس و بين عمله و حاله .
السؤال الذي ينشئ هنا: لو أنا مقصّر و لكن أعرف حدود الكمالات الشرعيّة , أنصح أم لا أنصح؟ انصحي لكن لا ينبغي أبدا أن يستمرئ الإنسان هذا الوضع و إنّما ينصح لأنّه فرض عليه و لكن يكون هذا النصح أشبه بالوخزة في ضميره :لماذا أقول كلاما و أنصح النّاس به و لا افعله؟ و يتذكّر الوعيد الشديد لمن كان يأمر بالمعروف و لا يأتيه و ينهى عن المنكر و يأتيه و قول الله عزّ و جلّ :" أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ " و غيره من الأمور التي تحضّ الإنسان على أن يكون أوّل من انتفع بنصحه و هذه من دوائر النصح التي ذكرناها و هي مسألة أن ينصح الإنسان نفسه
.
د‌.      أن يكون تعريضا لا تصريحا ما أمكن :
مثلا : أخت مسؤولة في مسجد أو معلمة و هناك عدد من الأخوات يجلسن أمامها , فأبصرت عيبا و يمكنها أن تنصح في هذا العيب تعريضا كان تقول : ليتنا لا نفعل كذا ... هذه الطريقة فيها تواضع – لأنّها تتكلم بنون الجمع – و فيها عدم التسلّط و عدم استخدام طريقة الأستاذيّة و تجنّب الإستعلاء.

ملاحظة:
بعض الأخوات يضيق صدرها إذا تمّ التعريض لنصحها و تقول : لم يتمّ التعريض لنصحي؟
لو أنّ هناك إنسانا بسط الله له في مسألة التعليم و التدريس و التربية , الدور الأساسي الذي يمارسه هو التوجيه . قد يصل إلى هذا المعلّم شكوى أو تنبيه –لو سمحت يكثر في الأخوات فعل كذا أو يصدر من الأخوات فعل كذا. هذا المعلّم ما الّذي يعنيه؟ ما يعنيه هو أنّه عندما يخاطب الجمهور يعالج هذه الأفعال من باب ما بال أقوام؟
قد تقول أخت : لكن هذا الموقف حصل معي شخصيا, نقول من الذي أدرك هذا الموقف؟ أخت أو أختين . شرعا يجب علينا أن نصحّح لهم هذا الموقف . و طالما قلنا ما بال أقوام , إذا من لم يحضر المجلس سيستفيد بالنصيحة و لن يضره  الفعل و من حضر الفعل سيستفيد بشيئين أوّلهما النصيحة و ثانيهما أنّه علم بأنّ ذاك الفعل خاطئ و لا يصحّ التأسّي به .
الدليل على هذا الكلام فعل النبيّ صلّى الله عليه و سلّم مع الصحابة : كان النبي عليه الصلاة و السلام يبلغه الفعل يبغضه لا يرضاه فيجمع الناس و يقول:" ما بال اقوام يقولون كذا و يفعلون كذا" هل هؤلاء الأقوام معروفة أسماؤهم؟ نعم عند من حصلت معه المشكلة و عموم المسجد لا يعرفهم. بالتّالي يستفيد الناس من الحكم و الصحابة الذين حصلت معهم الواقعة استفادوا شيئين : الحكم و عدم إقرارهم على الخطأ الذي وقعوا فيه و تصحيح هذا الخطإ لهم.
علينا أن ننتبه لمسألة التعريض بالنصيحة لا سيّما لمن عنده توجيه علمي و تربوي على الأخوات , هذا أمر يراعى قبوله.

ذ‌.      الكتمان :
من آداب النصيحة الكتمان , فمن استنصح في أمر ينصح و يكتم و لا ينشر الكلام
.
3.    آداب للمنصوح:
أ‌.       القبول:
قيل : أدّ النصيحة على أفضل وجه و تقبّل النصيحة بأيّة وجه. يعني إذا كنت أنت النّاصح فجمّل النصيحة و زيّنها للمنصوح و لكن إن كنت أنت المنصوح , حتّى لو كان الأسلوب فظا, استفد من النصيحة.

ب‌.  عدم الإصرار على الباطل:
فالرجوع إلى الحقّ فضيلة و التمسّك بالباطل رذيلة وليحذر الإنسان أن يكون ممّن قال الله عزّ و جلّ فيهم :" و إذا قيل له اتق الله اخذته العزة بالاثم"

ت‌.  اختيار من ينتصح منه:
لو أنّ أخت عندها مشكلة , لا تعمد إلى أخت سطحيّة أو قليلة الخبرة و تستنصحها فهي بذلك تكون قد ورّطت نفسها  و إنّما تعمد لمن اتسمت بالعقل و العلم و التديّن و الكتمان .

ث‌.  الشكر للناصح:
لأنّ من لم يشكر النّاس لم يشكر الله فإذا قدّم إليّ إنسان نصيحة أقول له جزاكم الله خيرا و أشكره فعلا من داخلي بامتنان فلا يكون الشكر من باب المجاملة و لكن يكون فعلا من باب الإمتنان و الشعور بفضل هذا النّاصح.
لو افترضنا أنّ هناك أختا جالسة في مكان ما و كان هناك ثعبان يكاد يصل إليها و يلدغها لكن هناك اخت أخرى حذّرتها  فانتفضت و قامت, داخليّا ستشكر لها هذا الصنيع أم لا؟ ستشكر لها هذا الصنيع لأنّها حسّت أنّ بدنها كان سيتاذّى لولا نصيحة هذه الأخت . الأذى الذي يصل إلى القلوب من المعائب و النقائص و المعاصي أشدّ من الأذى الذي يصل إلى الأبدان فبالتّالي الذي ينصح إنسان و يقدّم له نصيحة في أمر دينه و في أمر قلبه يشكر أكثر ممّن قدّم نصيحة في أمر بدنه .

4.    أسباب عدم قبول النصيحة:
1.    عدم التزام البعض بآداب النصيحة:
2.    الكِبر:
الكبر هو بطر الحقّ و غمط النّاس . بطر الحقّ يعني ردّ الحقّ . النصح من الحقّ عندما يقدّم إلى شخص متكبّر يرفضه و يردّ هذا الحقّ.
3.    الإعجاب بالنّفس:
بعض النّاس يكون معجبا بنفسه , لا يقبل نصحا و لا يرى رأيا أفضل من رأيه و هو فعلا لا يصدّق أنّه بإمكانك تقديم خير له. فكلّ ما يعرفه أنّه أفضل النّاس رأيا و أفضلهم تديّنا و علما فلا تقبل بأيّ حال من الأحوال أن تنصح .
الكبر و الإعجاب بالنّفس أمراض تصيب أهل  العلم و التديّن فالإنسان يحذر من أن تصيبه هذه الأمراض و هو لا يدري.

قال أحدهم:
إذا نصحت لذي عجب لترشده        فلم يطعك فلا تنصح له أبدا
فإنّ ذا العجب لا يعطيك طاعته        و لا يجيب إلى إرشده أحدا
و ما عليك إن غوى حقبا لم يكن         لك قربى أو يكن لك ولدا

يعني أنّ المعجب بنفسه لا تبذل الجهد في نصحه إلاّ إذا كان يجب عليك شرعا نصحه كأن يكون ولدا أو ذا قربى .

4.    الفرق بين النصح و التعيير:
علينا أن نفرّق بين النصح و التعيير . نبتت نبتة سوء و للأسف نسبوا أنفسهم للسلفية و قالوا نحن ننصح للمسلمين. فماذا فعلوا؟ لم يدعوا عالما و لا طالب علم و لا داعية ممّن جعل الله لهم لسان صدق في المسلمين و ممّن استفاد المسلمون من علمهم و من وعظهم إلاّ و بحثوا و فتّشوا في تاريخه عن كلمة خاطئة أو عن زلّة لسان أو عن كلام منزوع من سياقه و طالوا به كلّ مطال , يهدفون إلى إسقاطه و هدمه و بالتّالي يعمدون إلى فضّ النّاس من حول هذا الشيخ أو الداعية أو العالم . و في نفس الوقت , يعمدون إلى الطواغيت الذين يحكمون بغير ما أنزل الله و يوالون أعداء الله من اليهود و النّصارى و يحاربون الدّين صراحة و يخلعون عليهم صفات الجلال و الكمال و يقولون بأنّ هؤلاء ولاة أمر و تجب طاعتهم و لا يحلّ منازعتهم و كلّ من خرج عليهم بقول في خطبة جمعة أو درس فهو من الخوارج . حتّى إنّ بعضهم قدّم درسا سمّاه النصيحة , في كلّ مرّة يتناول فيها شيخا و يصفه بأوصاف قبيحة جدّا  و يسبّه فهم لا يدعون عالما و لا داعيا و لا طالب علم إلاّ لمزوه و هزوه و أنزلوا به النّقائص و يتتبّعون كلامه حتّى غنّهم يقتصّون كلامه و يقطعوه من سياقه .
هذه نابتة سوء و الغريب أنّها هي التي تشوّه السلفيين و يتكلّمون باسم النصيحة و لكنّها ليست نصيحة و إنّما هي فضيحة و هذا تعيير و هو تشهير و صدّ للنّاس عن دينهم و عن علمائهم .هل من النصيحة سرد اخطاء شيخ في وقت واحد لتقبيح صورته و صرف النّاس عنه و في نفس الوقت يتمّ المجاهرة و الإهلال بأنّ الطواغيت الذين يتحكّمون في رقاب المسلمين هو ولاة أمر شرعيين؟ سبحانك هذا بهتان عظيم!
فهذا الأمر يجب أن يراعى . و هؤلاء يجب الحذر منهم لأنّهم ينسبون أنفسهم للسلفية بل و يدّعون أن من انتسب من غيرهم إلى السلفيّة فهو دعيّ ملحق , ليس من أصلهم .
5.    النصيحة المعكوسة:
النصيحة المعكوسة هي كالتي فعلها فرعون :" وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ" إذا فرعون المشفق الأمين يخاف على قوم مصر من ان يأتي موسى ليغيّر دينهم, دين التوحيد وهو توحيدهم لفرعون في العبادة. كانت عندهم مشكلة أنّ لكلّ منهم إله لكن حتّى يعبد إلاهه عليه أن يأخذ موافقة من فرعون أوّلا و بالتالي فجميعهم يعبد فرعون . ففرعون  لا يريد أن يحرمهم من هذا الدّين العظيم فيقاوم موسى عليه السلام و يقول إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ"  و كان يقول أيضا  مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ ,هذا نفس الكلام الذي قد نسمعه الان في بعض الأماكن او القنوات الذين ينادون من باب النصيحة بترك انتخاب الإخوان . نقول لهم تبا لنصيحتكم فهي من جنس نصيحة فرعون مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ.
بهذا نكون قد انتهينا ان شاء الله من ذكر آداب النّاصح و آداب المنصوح و في ضمن ذكرنا لهذه الآداب ذكرنا ما يهم موضوع النصيحة نفسها بكونها تتسم بالموضوعية , تخلو من السبّ و التقبيح , تكون مشروعة بذكر حلول و بدائل .
أقول قولي هذا و أستغفر الله لي و لكم .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق