>

الاثنين، 16 أبريل 2012

«·¨*·.¸¸.لا تكن من الخاسرين«.¸¸.·*¨`·»


ما زال حديثنا موصولا عن بناء الشخصية المسلمة المتكاملة والتي يعد بنائها هو اللبنة الأولى في صرح التغيير أو الخطوة الأولى على سلم التغيير "إِنّ َاللَّهَ لَا يُغَيِّر ُمَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ"
تكلمنا على أن التغيير واجب على الأفراد وعلى الجماعات و
قلنا إن بداية التغيير سيكون بإيجاد الشخصية المسلمة المتكاملة بأركانها الأربعة العلم والعمل والدعوة والصبر واتخذنا قاعدة قرآنية في استجلاء معالم الشخصية المسلمة وهي سورة العصر وعلمنا فضلها وقول أكابر العلماء فيها وان الله لو لم ينزل على خلقه حجة غير هذه السورة لكفتهم وسألنا أنفسنا من هي الشخصية الأولى التي نبدأ بدعوتها وقلنا أن الشخصية الأولى هي أنا ......كل إنسان يوجه همته وهمه أولا في أن يوجد من نفسه شخصية إسلامية متكاملة ترضي الله عز وجل نسأل الله في ذلك العون والسداد.
تكلمنا عن منطلقنا في هذه الرؤية في إيجاد الشخصية المسلمة المتكاملة من خلال سورة العصر وشرعنا في أول آياتها وهي قوله تعالى " والعصر " وان الله اقسم بالزمن وهو رأس مال الإنسان .
"إِنَّ الْإِنْسَان َلَفِي خُسْرٍ" اختلفت أقوال المفسرين في من المقصود بالإنسان في هذه الآية فقال بعضهم هو المشرك وقال بعضهم بل هو الإنسان أي جنس الإنسان والراجح من حيث المعنى هو ما اختاره شيخ المفسرين ابن جرير الطبري حيث قال أي أن ابن آدم لفي هلكة ونقصان إذا ما معنى لفي خسر الخسر أيضا له أنواع ومعاني منها الخسران ومنها النقصان ومنها الهلكة إلى غير ذلك من المعاني المتقاربة .
ما المعنى الإجمالي للآية "إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ"هذه حقيقة خبرية أي أن الإنسان أي جنس الإنسان لفي خسر أي في هلكة ونقصان اخبرنا الله عز وجل بحقيقة يقينية وهي أن هناك بحر متلاطم من الخسران يستوعب كل بنى آدم ولا ينجوا من هذا الخسران إلا من كتب الله عز وجل له النجاة وإلا من تعلق بطوق نجاة ينجيه ببحر الخسران
اول ما يصل الى القلب من هذه الآية هو ان الكثرة لا تغني عن أصحابها شيئا قال تعالى "وَمَا أَكْثَر ُالنَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ" وقال تعالى "وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَر َمَن ْفِي الْأَرْض  ِيُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ" وقال تعالى "وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُم ْشَاكِرِينَ" وقال تعالى "وَإِنَّ كَثِيرًا مِن َالنَّاسِ لَفَاسِقُونَ"
 
ومدح الله تعالى القلة في غير موضع قال تعالى "وَقَلِيلٌ منْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ"قال تعالى "كَم ْمِنْ فِئَةٍ قَلِيلَة غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ" إلى غير ذلك من الآيات التي تعدل لنا الموازين وتصحح لنا المقاييس ولان الحق لا يعرف بالكثرة  لذا قال السلف (أعرف الحق تعرف أهله واعرف الباطل تعرف من أتاه) وقال بعضهم (أسلك سبيل النجاة  ولا تستوحش من قلة السالكين وإياك وطرق الهلاك ولا تغتر بكثرة الهالكين  ) أي أن الإنسان يسلك الطريق إلى الله عز وجل ولو لم يكن له رفيق أو أنيس ولا معين ويستوحش ويشعر بألم الوحشة ويتألم من الغربة وإياك وطرق الضلال وطرق الهلاك ولا تغتر بكثرة الهالكين الإنسان اذا اغتر يجد فيمن حوله من يستأنس به ولكن يوم القيامة تنقلب كل هذه الأمور وهذه العلاقات حسرة على أصحابها ولا يبقى إلا ما كان لله قال تعالى "الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذ ٍبَعْضُهُم ْلِبَعْضٍ عَدُوّ ٌإِلَّا الْمُتَّقِينَ" واخبر تعالى أنهم مهما اشتركوا في العذاب فلن يغني عنهم شيئا فقال "وَلَن ْيَنْفَعَكُم ُالْيَوْم َإِذْ ظَلَمْتُم ْأَنَّكُم ْفِي الْعَذَاب ِمُشْتَرِكُونَ" فلا ينفعهم أنهم في العذاب مشتركون .
ولذا نفهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم (يأتي النبي ومعه الرهط ،ويأتي النبي ومعه الرجل والرجلان،ويأتي النبي وليس معه أحد)السؤال هل النبي الذي أتى يوم القيامة وليس معه احد هل قصر في البلاغ ؟ وهل ممكن أصلا أن يقصر نبي في البلاغ ؟ ما استحق أن يكون نبيا فالأنبياء بالإجماع  معصومون عن كتمان الرسالة .

 
إذا النبي الذي أتى وليس معه احد دعا إلى الله قدر طاقته حتى لقي ربه وما استجاب له احد فلا نستدل دوما على عدالة أي أمر بكثرة المهللين له وكثرة من يصفقون له ننتبه لمثل هذا ولنحذر أيضا أن يتخذ احدنا موقفا أو رأيا استجابة لضغوط الكثرة فيخالف ضميره ويتخذ رأيا هو يعلم إن فيه خطأ للتخلص من ملامة الكثرة ولعمر الله ان هذا المعنى هو الذي حمل كثير من بني آدم على الوقوع في الكفر........ كثير من بني آدم قال تعالى عنهم "وَقَال َإِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِن دُون ِاللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْم َالْقِيَامَة ِيَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْض وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُم ُالنَّارُ وَمَالَكُم ْمِن ْنَاصِرِينَ " أي اتخذتم الأوثان لأجل المودة للتخلص من ألم ومرارة الوحشة والتفرد والغربة فلينتبه الإنسان لمثل هذا وليعلم هذه القاعدة الجميلة (لا تغتر بكثرة الهالكين ولا تستوحش من قلة السالكين )
إذا هناك بحر من الخسران متلاطم الأمواج شاسع الأرجاء .
الخسران ما هي مجالاته ودوائره .
الخسران والعياذ بالله في الآية يشمل خسران الدنيا والخسران في البرزخ والخسران في الدار الآخرة .
أما الخسران في الدنيا "إِنَّ الْإِنْسَان لَفِي خُسْرٍ"هذا إخبار من الله تعالى أن كل الناس التي تعيش في هذا العالم لفي خسر في نقصان في هلكة في غبن في مشقة إلا من توفر فيه أربع صفات إذا من يريد أن يتخلص من الخسران في الدنيا لابد أن يتحلى بالصفات الأربعة .

 
ما مظاهر الخسران في الدنيا ؟
اشد مظاهر الخسران في الدنيا وأكثرها ألما هو إن يخسر الإنسان في دينه ...أعظم خسران في الدنيا هو خسران الأنس بالله فان جنة الدنيا هي الأنس به سبحانه بمعرفة أسمائه وصفاته وتوجه القلب إليه وحده فان القلوب مفطورة على حب الله والتوجه إليه والتعلق به والتوكل عليه واللجوء إليه فان النفوس التى ضلت هذا الطريق تعست أعظم التعاسة وشقيت اشد الشقاء وذاقت ألوان الألم.
خسران الأنس بالله ....إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة .
الإنسان إذا لم يتحلى بهذه الصفات الأربع وجد في قلبه وحشة . وحشة في قلبه تنغص عليه حياته فلو اجتمعت له لذات الدنيا بأسرها واجتمع له من بأقطارها حتى يسعدوه ما استطاعوا وما أزالوا هذه الوحشة التي تحصل حين تنصرف القلوب عن مصدر صحتها إلى ما يمرضها والى ما يجرفها ويحرفها عن الله عز وجل .
الإنسان خلق مفطورا على ألا يحيا إلا بالطعام لذا جعل الله في معدته  إحساس  إذا جاع تألم وإذا تألم سعى لإخراج هذا الألم ثم إذا اخرج يسعى إلى إشباع  الألم عن طريق الطعام وان لم يطعم تضرر ضررا بالغا.
القلب أيضا فطره الله على هذا المعنى هو أن يكون مقبلا على الله معرضا عن غيره قوته وحياته وسعادته في الأنس بالله عز وجل وفي التعلق بالله سبحانه وتعالى وفي رجاءه والخوف منه..... إلى غير هذا من أعمال القلب فإذا منع القلب من هذه المعاني وهذه العبادات وكثير من الناس لا يعرف لماذا يتألم بعضهم يقول أنا إنسان تعيس وبعضهم يقول اشعر بالوحشة أو اشعر بالخوف اشعر بالاضطراب يجمع هذه المعاني أن القلب في حال من عدم الاستقرار لأنه مصروف عن ما خلق له لذا لو قرأنا كلام ابن القيم في كتاب الداء والدواء
 
(وقد أجمع السائرون إلى الله أنّ َالقلوبَ لا تُعطي مُنَاهَا حَتَّى تصل إلى مَوْلاَهَا ،وَلا تَصِلُ إِلَى مَوْلاَهَا حَتَّى تَكُونَ صَحِيحَةً سَلِيمَةً ،ولا تكون صَحِيحَةٌ سَلِيمَة ًحَتَّى يَنْقَلِبَ دَاؤُهَا فَيَصِيرَ نَفْسَ دَوَائِهَا .
ولا يَصِحُ لَهَا ذَلكَ إَلا بِمُخَالَفَة ِهَوَاهَا ،فهواها مرضُها ،وشفاها مخالفتهُ ،فإن استحكم المرض قتل أو كاد .
وكما أنَّ منتهى نفسهُ عن الهوى كانت الجنة مأواه، كذلك يكون قلبه في هذه الدار في جنة عاجلة لا يشبه نعيم أهلها نَعيمً البتة .
بل التفاوتُ الذي بين النعيمين كالتفاوت الذي بين نَعِيمَ الدنيا ونعيم الآخرة،وهذا أمر لا يصدق به إلا من بَاشَر َقلبه هذا وهذا .
ولا تحسب أن قوله تعالى : { إِنَّ الْأَبْرَار َلَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّار َلَفِي جَحِيمٍ } مقصور على نعيم الآخرة وجحيمها فقط ،بل في دورهم الثلاثة كذلك .
أعني : دار الدنيا،ودار البرزخ،ودار القرار،فهؤلاء في نعيم ،وهؤلاء في جحيم،وهل النعيم إلا نعيم القلب؟ وهل العذاب إلا عذاب القلب؟ .
وأي عذابٍ أَشَدُّ مِن َالخوفِ(إنا اهدي هذا الكلام لكل من عانى الحزن والهم والاضطراب فأنت معك الدواء ولكنك معرض عنه )والهمَّ والحزنِ وضيقِ الصدر ِوإعراضِهِ عن الله والدار الآخرة َتَعَلُّقِه ِبغير ِاللهِ وانقطاعِهِ عن اللهِ؟بكل واد منه شعبة،وكل شيء تعلق به وأَحَبَّه ُمِند ون ِاللهِ فإنه يَسُومُه سُوءَ العذاب .
فَكُلُ مَنْ أَحَبَّ شيْئًا غير َالله  ِعُذِب َبه ثَلاثَ مَرَّات : فبهذه الدار،فهو يعذب به قبل حصوله حتى يحصل(فالإنسان حين يسمع عن إنسان آخر تعيس بسبب الولد وان هذا الابن سبب في شقاء والده أو شقاء أمه .....فنسأل الله عز وجل أن يرزقنا الذرية الصالحة ويجعلهم لنا قرة أعين في ا لدنيا والآخرة وليس المعنى أن هذا الولد يعذبه او يؤذيه ولكنه أتى عليه زمان لا يشغله شيء في الدنيا طالما انه لم يحصل على هذا الولد فهو يعيش في شقاء)،فإذا حَصَل عُذِّب َبه حَال حُصولِهِ بالخوفِ مِن سَلْبِهِ وفواتِهِ( يظل عنده الخوف المرضي يخاف أن يسلب هذا الأمر منه)والتنغيصِ والتنكيد ِعليه وأنواع المعارضات، فإذا سُلِبَهُ اشْتَدَّ عَذَابهُ عليه .
فهذه ثلاثة ُأنواع من العذاب في هذه الدار . وأما في البرزخ  فعذاب يقارنه أَلَم ُالفراق الذي لا يرجى عوده،وألم فوات ما فاته مِن النعيم العظيم باشتغاله بضده،وألم الحِجَابِ عن الله،وألم الحسرة ِالتي تقطع الأَكباد .

لذا قال تعالى تطمينا لأهل الدنيا وتبشيرا لهم من المؤمنين " إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّه ُثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِم ُالْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا" أي لا تخافوا مما انتم مقبلون عليه ولا تحزنوا على فوات ما في الدنيا وقال تعالى في غير ما آية " لَا خَوْفٌ عَلَيْهِم  ْوَلَا هُم  ْيَحْزَنُونَ"
أيضا من الخسر في الدنيا الذي يعانيه الإنسان نسيان نفسه ينسى نفسه وينسى الله سبحانه وتعالى وينسى آخرته فتجده يدرك كل شيء إلا ما يقربه إلى الله عز وجل يعمل الساعات الطوال وعند موعد الصلاة يقول لا استطيع أن أصلي تجد بعض النساء تتكلم طيلة اليوم إما كلام مباشر مع الناس وإما كلام في الهاتف وإما كلام على الانترنت وعند موعد الورد تقول لا استطيع ينسى نفسه وينسى ما يصلحه وما ينفعه وينسى ربه وينسى آخرته هذا أيضا من الخسران الذي يعتلي الإنسان في الدنيا .
ومن الخسران ايضا ان يظلم قلبه ويقسو ويصير كما قال عز وجل كالحجارة أو اشد قسوة من الحجارة قال تعالى " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون  )قال الحسن هو الذنب بعد الذنب حتى يعمى القلب وفي الحديث في صحيح مسلم " « تعرضالفتن على القلوب كالحصيرعودًاعودًا،فأي قلب أشربها؛نكت فيه نكتة سوداء،وأي قلب أنكرها؛نكت فيه نكتة بيضاء،حتى تصيرعلى قلبين: على أبيض مثل الصفا فلاتضره فتنة مادامت السماوات والأرض،والآخرأسود  مربادًا كالكوز مجخيا لايعرف معروفًا ولاينكر منكرًا ؛إلا ما أشرب من هواه »
الإنسان حين تعرض عليه المعصية هو يعلم أنها معصية فأي أمر من الله عز وجل يجب عليك أن تفعله وأي أمر محرم يجب عليك أن تبتعد عنه وايما قلب أنكرها أي أنكر هذه المعصية سواء كانت فعل واجب  أو اجتناب محرم نكتت فيه نكتة بيضاء يضيء منها القلب ويصح ويصفوا وإذا اشربها أي سقط في الفتنة والعياذ بالله نكتة فيه نكتة سوداء أي اظلم منه جزء وانطمست بصيرته في جزء من القلب وضعف هذا القلب فيتكرر الأمر إلى أن تصير القلوب إلى قلبين قلب ابيض مثل الصفا وهو الرخام الصلب النقي الأملس وهذا الرخام الصلب النقي الأملس به معاني الواحد يظن انه قلب قاسي لو كان القلب مثل هذا الرخام النقي ماذا سيحدث له فتخيلوا معي هذا الرخام الأملس وهو اعلي درجات الرخام إذا سقط عليه بعض الغبار يزال بأسهل ما يكون لا يستقر عليه قذر هذا القلب الذي مثل الصفا لا يستقر به قذر أبدا بل لو أذنب الإنسان بحكم بشريته أي لو تلوث القلب ببعض الملوثات فلو سكب دموع الخشية والتوبة أزالت كل اثر لهذه الملوثات التي على قلبه .
المعنى الثاني في الصفا الرخام الأملس أو الصخر الأملس انه قوي أي أن هذا القلب قوي لا يمكن أن ينفذ منه أي شيء أي لو ان عندنا رخام وأنزلنا عليه الماء ماذا سيحدث سيظل الماء كما هو لن تتخلل الرخام عكس الأرض الرملية أو الأرض الطينية لو سكبنا عليها ما ستتخلل الأرض هكذا القلب الصلب الشبهات والشهوات لا تستطيع أن تنفذ منه تتحطم على صلابته ويظل هذا القلب صلب كما هو نسأل رب العالمين أن يصلح قلوبنا وان يقينا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن .
وفيه ميزة أخرى وهي انه صلب لا يمكن أن يتغير السوائل تسمى الموائع لأنها تتشكل عل شكل الإناء الذي توضع فيه وهناك بعض الأشياء الصلبة تلحق بالموائع مثل الملابس من الممكن أن تطبق بكذا طريقة لكن إذا كان عندنا قطعة رخامة هي هكذا لا تتغير .
فالقلب الذي مثل الصفا فيه معنى الثبات ثبات على المبدأ وعلى الحق .
العكس في القلب الأخر قلب اسود مرباد والمرباد أي القذر فيه قذر وفيه نجاسات ونجاسات القلوب هي الإرادات الفاسدة والإرادات السيئة يخطر بباله المعاصي وبعدها تتحول إلى أفكار ثم تتحول الأفكار إلى هم ....يشغل قلبه وفكره وذهنه دائما بما لا يرضي الله عز وجل فيه اضطرابات ونجاسات حتى تصير هذه الإرادات إلى عزيمة حتى لا يمنعها إلا المانع القدري مثل الذي ذهب ليسرق  فوجد الخزينة فارغة أو ذهب ليقتل فكان السلاح بارد هذا مانع قدري أي أن الإنسان إذا وصلت المعصية عنده لمرحلة العزيمة لا يستطيع أن يرد نفسه عنها إلا أن يشاء الله .
ما الذي أوصله إلى هذه المرحلة السيئة ؟ انه يعيش دائما في هذه الخواطر والأفكار السيئة لذا من أبواب إصلاح النفس والاستقامة حراسة الخواطر وتنقية الباطن فكما يحرص الإنسان على تنقية الظاهر ينقي الباطن وليعلم أن الله عنده الغيب شهادة والسر علانية "سَوَاءٌ مِنْكُم ْمَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن ْجَهَر َبِهِ وَمَن ْهُوَ مُسْتَخْف ٍبِاللَّيْل ِوَسَارِب ٌبِالنَّهَارِ" الله عز وجل يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور الله عز وجل يعلم السر وأخفى أخفى من السر قد يخفى على الإنسان إرادات نفسه لكنها لا تخفى على الله عز وجل .


 

 
الإنسان إذا كان عنده نوع من السقوط في الفتن فتنة تلو فتنة ويتبع هواه كل فتنة يقع فيها يظلم قلبه يتقلب هذا القلب يسود كالكوز مجخيا الكوز هو الإناء المعروف مجخيا أي مقلوبا  الكوز المقلوب إشكاله انه غير قابل أن يأخذ أي شيء فلو عندنا كوب مقلوب وأردنا أن ندخل به الماء فلن يدخل ابدآ كذا هذا القلب وصل إلى هذه المرحلة كما اخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم كالكوز مجخيا أي مقلوب فهو يعاقب بعقوبة شديدة جدا ما هي تلك العقوبة ؟ العقوبة أن المونيتور الذي أمامه -فالأخوات الآن يجلسون إما الكومبيوتر هذه الشاشة منيرة أنت ترين ما به هذا يسمى مونيتور القلب به مونتير مثل هذا به شاشة هذا المونيتور يوضح للإنسان أنت هكذا تكون آثم أنت هكذا في إشكال يوضح له الطريق يوضح له الحق من الباطل هذا يسمى عنده بصيرة عنده رؤية لحاله ولباطنه .
من أسوء العقوبات أن يطمس الله على قلبه المونيتور يقطع  لا يرى أي شيء لا يعرف معروفا ولا ينكر منكر إلا ما اشرب من هواه يصبح دينه عنده اللذة الحلال عنده ما يستطيع الحصول عليه والحرام عنده ما لا يمنه الحصول عليه بل أن بعضهم قد يصل إلى أن يقول عن المعروف منكر وعن المنكر معروف نعتبر بحال قوم لوط "أَخْرِجُوا آَل َلُوطٍ مِن ْقَرْيَتِكُمْ إِنَّهُم أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ" أمر في غاية العجب أنهم أناس يتطهرون وكأن التطهر جريمة هؤلاء انتكست عندهم الفطرة كما قال عز وجل " وَإِذَا قِيلَ لَهُم ْلَات ُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ" فلان دعاة الإصلاح هو من يفسد على الناس عقائدهم وعباداتهم ويفسد أخلاقهم وسلوكياتهم ويفسد دنياهم وأخراهم وإذا هاجمته أو عارضته قال أنما نحن مصلحون "أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن ْلَا يَشْعُرُونَ"
وأيضا الذين إذا رأوا بعض الناس تدينوا واستقاموا قالوا "وَإِذَا قِيلَ لَهُم ْآَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أ َنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ" يقولون لهم انتم سفهاء ليس عندكم عقول لو كان عندكم عقول لما اتبعتم العلماء والنصوص الشرعية التي تقولون أنها مقدسة دون أي نقاش فانتم سفهاء ونحن لن نصل إلى هذه المرحلة من السفاهة نحن المفكرون نحن متنورين نحن تقدمين ولعمر الله أنهم يتقدموا ولكن إلى الهاوية .
نعود إلى كلامنا إن من العقوبات والخسران الذي قد يقع فيه الإنسان في الدنيا إذا فارق هذه الأربعة قلنا أولا الوحشة وفقدان الأنس بالله وقلنا ظلمة القلب وزوال ما يفرق بين الحق والباطل ثم من ضمن الخسران في الدنيا أن يبتعد الإنسان عن ملائكة الرحمن وان يقع في اسر الشيطان كما قال بعض السلف " إذاأصبح ابن آدم ابتدره الملك والشيطان،فإن ذكرالله وكبره وحمده وهلله طرد الملك الشيطان وتولاه،وإن افتتح بغيرذلك ذهب الملك عنه وتولاه الشيطان." ولا يزال الملك يقرب من العبد حتى يصير الحكم والطاعة والولاء له فتتولاه الملائكة في حياته وعند موته وعند بعثه كما قال تعالى "إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِم ُالْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ" فإذا تولاه الملك تولاه انصح الخلق وانفعهم وأبرهم فثبته وعلمه وقوى جنانه وأيده قال تعالى "إِذ ْيُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَة ِأَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا" من أعظم النعم على الإنسان عند لقاء الله التثبيت .
وأيضا من الخسران الذي يعتري الإنسان في الدنيا الذلة والصغار والهوان إذا الإنسان ابتعد عن الله عز وجل وفارق طريق الاستقامة فانه يبوء بالذلة والصغار والحقارة لأنه في الحقيقة يكون قد هان على الله فإذا  هان على الله ونعوذ بالله من هذه الحال هان على كل الخلق قال تعالى "وَمَنْ يُهِن ِاللَّهُ َمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ" وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن عمر قال "بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزفى تحت ظل رمحي  وجعل الذلة و الصغار على من خالف أمري" فكلما عمل العبد معصية نزل إلى أسفل درجة ولا يزال في نزوله حتى يكون من الأسفلين وكلما عمل طاعة ارتفع بها درجة ولا يزال في ارتفاع حتى يكون في عليين .

 
ومن الخسران أيضا الذي يعتري الإنسان حرمان العلم يجد الإنسان طرق العلم مسدودة والعلم هو العلم النافع الذي تكلمنا فيه قبل ذلك وهو الهدى وعلم الوحيين الذي ينبت الإيمان في القلب كما ينبت الماء البقل  فيحرم الإنسان العلم لذا لما جلس الشافعي بين يدي الإمام مالك وقرأ عليه اعجب مما رأى من وفور فطنته وتوقد ذكائه وكمال فهمه فقال ( إني أرى الله قد ألقى على قلبك نورا فلا تطفئه بظلمة المعصية ) الإمام الشافعي كان إذا جلس في مجلس مالك لا يمسك بقرطاس ولا قلم وإنما كان يحفظ على البديهة وكن يكفيه ن يحرك إصبعه على كفه فإذا انتهى المجلس كان من أحفظ الناس لكلام مالك رحمهم الله جميعا .
وأيضا من الخسران الذي يعتري الإنسان في الدنيا حرمان الرزق هناك حديث حسنه الشيخ الألباني قول النبي صلى الله عليه وسلم " إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه" أي يخسر في الدنيا الرزق وبالطبع الرزق ليس المال. المال رزق والصحة رزق والسعادة في الحياة الدنيوية رزق والزواج نفسه رزق والأولاد رزق والأموال رزق والعلم الشرعي رزق وثناء الناس الحسن على الإنسان رزق ويسر الحياة ويسر الأشياء رزق من الله سبحانه وتعالى كل هذه تسمى أرزاق بمعناها الواسع .
ومن الخسران أيضا ضياع العمر ومحق البركة  سبحان الله يجد الإنسان أيامه تمر في لمح البصر ثم هو لا ينتفع بها عكس بعض الأيام التي إذا أطاع الله بها واستقامت حاله يجد الأوقات فيها بركة وينجز فيها من الأعمال الصالحة الكثيرة .
وأيضا من الخسران تجرأ الأعداء عليه فرأس أعداءه هو الشيطان. الشيطان إذا وجد إنسان تجنب الاستقامة وابتعد عن طريق الرحمن فانه يعمد إليه ويؤزه على فعل المعاصي ازا ويضله ويوسوس له ويفتنه فكما أن هناك شياطين جن هناك أيضا شياطين انس فالإنسان ممكن أن يسلط عليه بذنوبه شياطين الإنس أصدقاء السوء فيأتوه فيزلوه عن طريق الاستقامة كما قال تعالى  "فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ" هذه عقوبة وخسران .
ومن الخسران أيضا ما ينزل بالخلق من العقوبات العامة مثل الزلازل والبراكين والطواعين والأمراض الفتاكة وغير هذا .
ومن الخسران تسلط الأعداء على الإنسان فيأخذوا بعض ما في يده كتسلط الأعداء على ديار المسلمين وتسلطهم على الأنفس والأموال والاعرض نسأل رب العالمين أن ينصر الإسلام ويعز المسلمين .
ومن الخسران ويكون الخسران المبين والعذاب الأليم أن يخسر الإنسان حسن الخاتمة فيخذل عند الموت وموقف الموت وسياقته موقف شديد نحتاج فيه إلى التثبيت فكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعوا الله أن يثبته وفي القران قوله تعالى "يُثَبِّت ُاللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِت ِفِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّه الظَّالِمِين َوَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ" فمن أعظم الخسران أن يخسر الإنسان حسن الخاتمة فيبتلى ويعاقب والعياذ بالله بسوء الخاتمة فيلقى ربه على حال سيء نعوذ بالله من حال أهل النار ولذا كان الصالحون يخافون من هذه العقوبة بالذات في الدنيا وهي عقوبة سوء الخاتمة .
قال علي رضي الله عنه ((لقد رأيت أصحاب رسول الله فلم أرَ اليوم شيئًا يشبههم، لقد كانوا يصيحون شُعْثاً غُبْرًا بين أعينهم أمثال ركب المعز،قد بات والله سجدًا وقيامًا ،يتلون كتاب الله تعالى، يراوحون بين جباهم و أقدامهم ،فإذا أصبحوا فذكروا الله عز وجل، مادو كما يميد الشجر في يوم الريح،وهملت أعينهم ، والله لكأن القوم  باتوا غافلين)
وكان سفيان رحمه الله يقول (وَاَللَّه ِلَذُنُوبِي أَهْوَنُ عِنْدِي مِنْ هَذَا،إنِّي أَخَافُ أَنْ أُسْلَبَ الْإِيمَانَ قَبْل َأَنْ أَمُوتَ).
فان الأمر جد خطير تخيلوا لو حانت ساعة الإنسان وهذا شيء ليس فيه تقديم آو تأخير "فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُم ْلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَة ًوَلَا يَسْتَقْدِمُونَ" وهنا في محذوف أي إذا لم يأتي اجلهم لا يستقدمون فالآجال محتومة "لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ" أي مكتوب متى ينتهي هذا الأجل
ثانيا إذا كان العبد المؤمن في أقبال من الآخرة وانقطاع من الدنيا أول ما يراه ملائكة بيض الوجوه مد البصر فألان الإنسان حانت لحظته وانتهى اجله أما أن ينقطع عن هذه الدنيا ولا يرى آهل أو أي شيء يبدأ يرى الدنيا منيرة ملائكة بيض الوجوه ويسمع الكلام الطيب وينادى بالاسم الطيب وهنا بداية السعادة فما بعده أرجى للخير وأرجى للثبات .
والعياذ بالله إذا كانت الأخرى يرى ملائكة سود الوجوه فجأة الدنيا تظلم من حوله "فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُم ْحِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ و َلَكِن ْلَا تُبْصِرُونَ" كل من حول الإنسان لا ينفعوه من أم وأب وزوجة ولا احد ينفعه ابد إنما ينفعه عمله فإذا كان والعياذ بالله من أهل الشقاء يرى الدنيا مسودة يرى الظلام والسواد ويسمع التقبيح والتأنيب ويتلقى أول ما يتلقى بالضرب "لَوْ تَرَى إِذ ْيَتَوفَّى الَّذِين َكَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُم ْو َأَدْبَارَهُم ْو ذُوقُوا عَذَاب َالْحَرِيقِ" ضرب من الأمام على الوجوه وضرب من الخلف على الاقفية وضرب على الرؤوس والادبار أي أنها بداية غير مبشرة خروج مخز والعياذ بالله وما بعده اشد وما بعده أفظع فخسران بمعنى الخسران .
نقف مع قوله سبحانه "إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ"هو بحر من الخسران بحر متلاطم فأمامي أبواب كثيرة من أبواب الخسران ومظاهر لكني اعلم أن الوقت لا يستوعب ....بحر من الخسران  في الدنيا ....وخسران بالبرزخ وما زال ما نكمله من هذه الأمور بحر متلاطم من الخسران اخبرنا تعالى به في القران "يَهْدِي لِلَّتِي هِي َأَقْوَمُ" يتضمن هذه الحقيقة وهذه الحقيقة  حقيقة الخسران انه لا ينجي منه إلا طوق النجاة وهو العلاج "إِلَّاالَّذِينَآ َمَنُواوَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ  وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ" وهذا العلاج إن شاء الله سنقف معه طويلا فكما تكلمنا في قضية العبودية نحن لا نستعجل لان هذه القضايا قضايا رئيسية قضايا يتوقف عليه حياة الإنسان بل أنا أرى أن هذه القضايا هي طوق النجاة لهذه الامة فاذا نجا الافراد وكونوا الطائفة المؤمنة فحري بنجاة هذه الأمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق